أصحابه الخضارمة الأنجبيين اما بعد فيقول أفقر العباد إلى رحمة ربه الغني محمد الملقب بالرضا ابن الشيخ احمد النحوي بصره الله بعيوب نفسه وجعل يومه خيرا من أمسه اني لما وقفت على القصيدة البديعة الغراء والفريدة اليتيمة العصماء للشيخ العالم العامل الأديب الكامل الشيخ الاسلام والمسلمين امام الملة والدين الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعيد الدلاصي المصري البوصيري تغمده الله برحمته ورضوانه وأفاض عليه شآبيب عفوه وغفرانه وقد سارت بها على تقادم عهدها الركبان وأذعن لها بالفضل كل قاص ودان وقد تداولتها الرواة وتغنت بها الحداة وتلقتها جميع الفضلاء والأدباء بالقبول وهبت عليها من قدس الجلال نسمات القبول والناس بين شارح لغامض أسرارها وكاشف لنقاب أستارها وبين من انبرى لمباراتها وجرى على النسق لمجاراتها وبين متعرض لها بالتخميس وآخر جانح إليها بالتدريس وبين من سبع وثمن ونقح ما اشتملت عليه من المحاسن وكل أفرع في ذلك جهده وما قصر من بذل جميع ما عنده وما ذاك الا لما انطوت عليه من المحاسن الفائقة واحتوت عليه من المعاني الرائقة مضافا إلى شرف ممدوحها الذي جادت بما اشتملت عليه من ذكره تراكيبها وحسنت بما تضمنته من وصفه أساليبها فشرفت لذلك معانيها ولطفت لما هنالك مبانيها:
فسارت مسير الشمس في كل بلدة * وهبت هبوب الريح في البر والبحر أحببت أن انتظم معهم في ذلك السلك وأستوي معهم بحمد الله على ذلك الفلك وأن لم أكن من فرسان هذا الميدان ولا ممن ينبغي له أن يثني نحو هذه المضائق منه العنان فقد تجمع الحلبة بين السكيت والمجلي واللطيم والمصلي وقد يتزيا بالهوى غير اهله وتنزع نفس المرء به للسمو إلى غير محله فجنحت في هذا إلى التسميط راجيا من الله العصمة من الافراط والتفريط.
ما أن مدحت محمدا بمقالتي * لكن مدحت مقالتي بمحمد وأسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يهديني بها الصراط المستقيم وأرجو ممن وقف منها على ما زلت به القدم أو طغى به حال جريانه القلم أن يقابل ذلك بالعفو والصفح ويتنكب جادة الاعتساف بالازراء والقدح فان الانسان محل الخطأ والنسيان وأن أول الناس أول الناس وكان الفراع من ذلك في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من رجب سنة 1201 قال:
ما لي أراك حليف الوجد والألم * أودى بجسمك ما أودى من السقم ذا مدمع بالدم المنهل منسجم * أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدم أصبحت ذا حسرة في القلب دائمة * ومهجة اثرهم في البيد هائمة شجاك في الدوح تغريد لحائمة * أم هبت الريح من تلقاء كاظمة وأومض البرق في الظلماء من أضم نضا لك البين عضبا منه منصلتا * فلست من قيده ما عشت منفلتا إن كنت تنكر ما بالوجد عنك أتى * فما لعينيك إن قلت أكففا همتا وما لقلبك إن قلت استفق يهم واها لصب يراه في الهوى سقم * يخفى هواه ودمع العين منه دم فكيف يخفى ومنه القلب محتدم * أيحسب الصب أن الحب منكتم ما بين منسجم منه ومضطرم تخفي الهوى وتبيت الليل في وجل * حيران طرف بعد النجم مشتغل تبكي بدمع على الاطلال منهمل * لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل ولا أرقت لذكر البان والعلم نمت بسرك عين في الدجى سهدت * وأدمع في مجارى خدك اطردت وبينات الضنى في الجسم منك بدت * فكيف تنكر حيا بعد ما شهدت به عليك عدول الدمع والسقم قد سار سرك في اهل الهوى علنا * وأنت تخفي الذي أضناك منه عنا وكم نفى عنك عذري الهوى وسنا * واثبت الوجد خطي عبرة وضنا مثل البهار على خديك والعنم فكم تنوح على الاطلال والدمن * مجاوبا كل ورقاء على فنن هل طيف مية ولى عنك بالوسن * نعم سرى طيف من اهوى فارقني والحب يعرض باللذات والألم فدع ملامي فليس النفس مقصرة * عن حب مي ولا للصبر مؤثرة لم يبق لي الشوق للسلوان مقدرة * يا لائمي في الهوى العذري معذرة منى إليك ولو أنصفت لم تلم سلمت من دنف عندي ومن سهر * ومن وشاة أداريهم ومن فكر شتان ما بين حالينا لذي بصر * عدتك حالي لا سري بمستتر عن الوشاة ولا دائي بمنحسم عذلت من صم عند العذل مسمعه * فخل عنه فليس العذل ينفعه قد قدتني للهدى لو كنت اتبعه * محضتني النصح لكن لست اسمعه أن المحب عن العذال في صمم فكم طلائع إنذار وكم رسل * بدت بفودي فما أقصرت من أملي فكيف تطمع في رشدي بعذلك لي * اني اتهمت نصيح الشيب في عذلي والشيب أبعد في نصح عن التهم أيقظت نفسي لأخراها فما يقظت * وواعظ الموت وافاها فما وعظت فدع زواجر لوم منك قد غلظت * فان امارتي بالسوء ما اتعظت من جهلها بنذير الشيب والهرم واها لها بالتصابي قضت العمرا * وما أصاخت لمولاها بما امرا ولا استعدت لزاد إذ نوت سفرا * ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ضيف الم برأسي غير محتشم يبشر المرء لو أصغى وينذره * فيما يرجيه في العقبى ويحذره فساء عندي لسوء الفعل منظره * لو كنت اعلم اني ما أوقره كتمت سرا بدا لي منه بالكتم فيا لنفس تمادت في عمايتها * واستبدلت بضلال من هدايتها فما احتيالي وقد ندت لغايتها * من لي برد جماح من غوايتها كما يرد جماح الخيل باللجم نبت فضيعت الدنيا بنبوتها * ومذ كنت ضاعت الأخرى بكبوتها فان ترد ردها عن غي صبوتها * فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها إن الطعام يقوي شهوة النهم ولا تذرها على ما تشتهي هملا * فرب شهوة نفس قربت اجلا فالنفس طوع الفتى إن جار أو عدلا * والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم