قد علمناه لينصب بالبيت المقدس فعمله النجارون في عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله فأمر بإحضاره فحمل من حلب ونصب بالقدس وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنة وكان هذا من كرامات نور الدين وحسن مقاصده رحمه الله.
ولما فرغ صلاح الدين من صلاة الجمعة تقدم بعمارة المسجد الأقصى واستنفاد الوسع في تحسينه وترصيفه وتدقيق نقوشه فأحضروا من الرخام الذي لا يوجد ومن الفص المذهب القسطنطيني وغير ذلك مما يحتاجون اليه قد ادخر على طول السنين فشرعوا في عمارته ومحوا ما كان في تلك الأبنية من الصورة وكان الفرنج فرشوا الرخام فوق الصخرة وغيبوها فأمر بكشفها.
وكان سبب تغطيتها بالفرش أن القسيسين باعوا كثيرا منها للفرنج الواردين إليهم من داخل البحر للزيارة يشترونه بوزنه ذهبا رجاء بركتها وكان أحدهم إذا دخل إلى بلاده باليسير منها بنى له الكنيسة ويجعل في مذبحها فخاف بعض ملوكهم أن تفنى فأمر بها ففرش فوقها حفظا لها فلما كشفت نقل إليها صلاح الدين المصاحف الحسنة والربعات الجيدة ورتب القراء وأدر عليهم الوظائف الكثيرة فعاد الإسلام هناك غضا طريا وهذه المكرمة من فتح البيت المقدس لم يفعلها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه غير صلاح الدين رحمه الله وكفاه ذلك فخرا وشرفا.
وأما الفرنج من أهله فإنهم أقاموا وشرعوا في بيع مالا يمكنهم حمله من أمتعتهم وذخائرهم وأموالهم وما لا يطيقون حمله وباعوا ذلك بأرخص الثمن فاستراه التجار من أهل العسكر واشتراه النصارى من أهل القدس الذين ليسوا من الفرنج فإنهم طلبوا من صلاح الدين ان يمكنهم من المقام في