ولما رأى أصحاب نور الدين كثرة خرجه قال له بعضهم إن لك في بلادك إدرارات وصدقات كثيرة على الفقهاء والفقراء والصوفية والقراء فلو استعنت في هذا الوقت لكان أصلح فغضب من ذلك وقال والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطي وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطي وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم؟
ثم إن الفرنج راسلوا نور الدين يطلبون منه الصلح فلم يجبهم وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى بلادهم.
ذكر إجلاء بني أسد من العراق في هذه السنة أمر الخليفة المستنجد بالله بإهلاك بني أسد أهل الحلة المزيدية لما ظهر من فسادهم ولما كان في نفس الخليفة منهم من مساعدتهم السلطان محمدا لما حصر بغداد فأمر يزدن بن قماج بقتالهم وإجلائهم من البلاد وكانوا منبسطين في البطائح فلا يقدر عليهم فتوجه يزدن إليهم وجمع عساكر كثيرة من فارس وراجل وأرسل إلى ابن معروف مقدم المتفق وهو بأرض البصرة فجاء في خلق كثير وحصرهم وسكر عنهم الماء وصابرهم مدة فأرسل الخليفة يعتب على يزدن ويعجزه وينسبه إلى موافقته في التشيع وكان يزدن يتشيع فجد هو وابن معروف في قتالهم والتضييق عليهم وسد مسالكهم في الماء فاستسلموا حينئذ فقتل منهم أربعة