بحيث أن يتصل القتال على أهل البلد على ان الموضع الذي يقاتلون منه قريب المسافة يكفيه الجماعة اليسيرة من أهل البلد لحفظه وعليه الخنادق التي قد وصلت من البحر إلى البحر فلا يكاد الطير يطير عليها فإن المدينة كالكف في البحر والساعد متصل بالبر والبحر والبحر من جانبي الساعد والقتال إنما هو في الساعد فزحف المسلمون مرة بالمنجنيقات والعرادات والجروخ والدبابات، وكان أهل صلاح الدين يتناوبون القتال مثل ولده الأفضل وولده الظاهر غازي وأخيه العادل بن أيوب وابن أخيه تقي الدين وكذلك سائر الأمراء.
وكان للفرنج شواني وحراقات يركبون فيها في البحر ويقفون من جانبي الموضع الذي يقاتل المسلمون منه أهل البلد فيرمون المسلمين من جانبهم بالخروج ويقاتلونهم وكان ذلك يعظم عليهم لأن أهل البلد يقاتلونهم من بين أيديهم وأصحاب الشواني يقاتلونهم من جانبيهم فكانت سهامهم تنفذ من أحد الجانبي إلى الجانب الاخر لضيق الموضع فكثرت الجراحات في المسلمين والقتل ولم يتمكنوا من الدنو إلى البلد فأرسل صلاح الدين إلى الشواني التي جاءته من مصر وهي عشر قطع وكانت بعكا فأحضرها برجالها ومقاتلتها وعدتها وكانت في البحر تمنع شواني أهل صور من الخروج إلى قتال المسلمين فتمكن المسلمون حينئذ من القرب من البلد ومن قتاله فقاتلوه برا وبحرا وضايقوا حتى كادوا يظفرون فجاءت الأقدار لما لم يكن في الحساب وذلك ان خمس قطع من شواني المسلمين باتت في بعض تلك الليالي مقابل مينا صور ليمنعوا من الخروج منه والدخول اليه فباتوا ليلتهم يحرسون وكان مقدمهم عبد السلام المغربي الموصوف بالحذف في صناعته وشجاعته فلما كان وقت السحر أمنوا فناموا فما شعروا إلا بشواني الفرنج قد نازلتهم