واختار هو من شجعان عسكره جمعا يثق بهم ويعرف صبرهم في الحرب ووقف بهم في الميمنة فلما تقاتل الطائفتان فعل الفرنج ما ذكره وحملوا على القلب فقاتلهم من به قتالا يسيرا وانهزموا بين أيديهم غير متفرقين ومعهم الفرنج فحمل حينئذ أسد الدين فيمن معه على من تخلف من الذين حملوا من المسلمين والفرنج الفارس والراجل فهزمهم ووضع السيف فيهم فأثخن وأكثر القتل والأسر فلما عاد الفرنج من أثر المسلمين رأوا عسكرهم مهزوما والأرض منهم قفرا فانهزموا أيضا وكان هذا من أعجب ما يؤرخ أن ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج الساحل.
ذكر ملك أسد الدين الإسكندرية وعوده إلى الشام لما انهزم المصريون والفرنج من أسد الدين بالبابين سار إلى ثغر الإسكندرية وجبى ما في القرى على طريقه من الأموال ووصل إلى الإسكندرية فتسلمها بمساعدة من أهلها سلموها إليه فاستناب بها صلاح الدين ابن أخيه وعاد إلى الصعيد فملكه وجبى أمواله وأقام به حتى صام رمضان.
وأما المصريين والفرنج فإنهم عادوا واجتمعوا على القاهرة وأصلحوا حال عساكرهم وجمعوا وساروا إلى الإسكندرية فحضروا صلاح الدين بها واشتد الحصار وقل الطعام على من بها فصبر أهلها على ذلك وسار أسد الدين من الصعيد إليهم وكان شاور قد أفسد بعض من معه من التركمان فوصل رسل الفرنج والمصريين يطلبون الصلح وبذلوا له خمسين ألف دينار سوى ما أخذه من البلاد فأجاب إلى ذلك وشرط [على] الفرنج أن لا يقيموا بالبلاد ولا يتملكوا منها قرية واحدة فأجابوا إلى ذلك واصطلحوا وعادوا إلى الشام وتسلم المصريون الإسكندرية في نصف شوال ووصل شيركوه