ذكر غزو صلاح الدين الكرك في هذه السنة في ربيع الآخر سار صلاح الدين من دمشق يريد الغزو وجمع عساكره فأتته من كل ناحية وممن أتاه نور الدين محمد بن فرا أرسلان صاحب الحصن وكتب إلى مصر ليحضر عسكرها عنده على الكرك فنازل الكرك وحصره وضيق على من به وأمر بنصب المنجنيقات على ربضه واشتد القتال فملك المسلمون الربض وبقي الحصن وهو والربض على سطح جبل واحد إلا ان بينهما خندقا عظيما عمقه نحو ستين ذراعا فأمر صلاح الدين بإلقاء الأحجار والتراب فيه ليطمه فلم يقدر أحد على الدنو منه لكثرة الرمي عليهم بالسهام من الجرخ والقوس والأحجار من المنجنيقات فأمر أن يبنى بالأخشاب واللبن ما يمكن الرجال يمشون تحت السقائف ويلقون في الخندق ما يطمه ومنجنيقات المسلمين مع ذلك ترمي الحصن ليلا ونهارا.
وأرسل من فيه من الفرنج إلى ملكهم وفرسانهم يستمدونهم ويعرفونهم عجزهم وضعفهم عن حفظ الحصن فاجتمعت الفرنج عن آخرها وساروا إلى نجدتهم عجلين فلما بلغ الخبر بمسيرهم إلى صلاح الدين رحل عن الكرك إلى طريقهم ليلقاهم ويصاففهم ويعود بعد أن يهزمهم إلى الكرك فقرب منهم وخيم ونزل ولم يمكنه الدنو منهم لخشونة الأرض وصعوبة المسلك إليهم وضيقه فأقام أياما ينتظر خروجهم من ذلك المكان ليتمكن منهم فلم يبرحوا منه خوفا على نفوسهم فلما رأى ذلك رحل عنهم عدة فراسخ وجعل بإزائهم من يعلمه بمسيرهم فساروا ليلا إلى الكرك فلما علم صلاح الدين ذلك علم أنه لا يتمكن حينئذ ولا يبلغ غرضه فسار إلى مدينة نابلس ونهب كل ما على طريقه من البلاد فلما وصل إلى نابلس