آخر شهر ذي الحجة من السنة فنزل حينئذ من فرسان الفرنج إلى عبد المؤمن عشرة وسألوا الأمان لمن فيها من الفرنج على أنفسهم وأموالهم ليخرجوا منها ويعودوا إلى بلادهم وكان قوتهم قد فني حتى أكلوا الخيل فعرض عليهم الإسلام ودعاهم إليه فلم يجيبوا ولم يزالوا يترددون إليه أياما بالكلام اللين فأجابهم إلى ذلك وأمنهم وأعطاهم سفنا فركبوا فيها وساروا وكان الزمان شتاء فغرق أكثرهم ولم يصل منهم إلى صقلية إلا النفر اليسير.
وكان صاحب صقلية قد قال إن قتل عبد المؤمن أصحابنا بالمهدية قتلنا المسلمين الذين هم بجزيرة صقلية وأخذنا حرمهم وأموالهم فأهلك الله الفرنج غرقا وكان مدة ملكهم المهدية اثنتي عشر سنة.
ودخل عبد المؤمن المهدية بكرة عاشوراء من المحرم سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسماها عبد المؤمن سنة الأخماس وأقام بالمهدية عشرين يوما فرتب أحوالها وأصلح ما انثلم من سورها ونقل إليها الذخائر من الأقوات والرجال والعدد واستعمل عليها بعض أصحابه وجعل معه الحسن بن علي الذي كان صاحبها وأمره أن يقتدي برأيه في أفعاله وأقطع الحسن بها أقطاعا وأعطاه دورا نفيسة يسكنها وكذلك فعل بأولاده ورحل من المهدية أول صفر من السنة إلى بلاد الغرب.
ذكر إيقاع عبد المؤمن بالعرب لما فرغ عبد المؤمن من أمر المهدية وأراد العود إلى الغرب جمع أمراء العرب من بني رياح الذين كانوا بأفريقية وقال لهم قد وجبت علينا نصرة