فيقتل من الفريقين؛ وممن استشهد من المسلمين الأمير عز الدين عيسى بن مالك وهو من أكابر الأمراء وكان أبوه صاحب قلعة جعبر وكان يصطلي القتال بنفسه كل يوم فقتل إلى رحمة الله تعالى وكان محبوبا إلى الخاص والعام فلما رأى المسلمون مصرعه عظم عليهم ذلك وأخذ من قلوبهم فحملوا حملة رجل واحد فأزالوا الفرنج عن مواقفهم فأدخلوهم بلدهم ووصل المسلمون إلى الخندق فجازوه والتصقوا إلى السور فنقبوه وزحف الرماة يحمونهم المنجنيقات توالي الرمي لتكشف الفرنج عن الأسوار ليتمكن المسلمون من النقب فلما نقبوه حشوه بما جرت به العادة.
فلما رأى الفرنج شدة قتال المسلمين وتحكم المنجنيقات بالرمي المتدارك وتمكن النقابين من النقب وأنهم قد أشرفوا على الهلاك اجتمع مقدموهم يتشاورون فيما يأتون ويذرون فاتفق رأيهم على طلب الأمان وتسليم البيت المقدس إلى صلاح الدين فأرسلوا جماعة من كبرائهم وأعيانهم في طلب الأمان فلما ذكروا ذلك للسلطان امتنع من إجابتهم وقال لا أفعل بكم إلا كما فعلتم بأهله حين ملكتموه سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة من القتل والسبي وجزاء السيئة بمثلها فلما رجع الرسل خائبين محرومين أرسل باليان بن بيرزان وطلب الأمان لنفسه ليحضر عند صلاح الدين في هذا الأمر وتحريره فأجيب إلى ذلك وحضر عنده ورغب في الأمان وسأل فيه فلم يجبه إلى ذلك واستعطفه فلم يعطف عليه واسترحمه فلم يرحمه.
فلما أيس من ذلك قال له أيها السلطان اعلم اننا في هذه المدينة في خلق كثير لا يعلمهم إلا الله تعالى وإنما يفترون عن القتال رجاء الأمان ظنا منهم أنك تجيبهم إليه كما أجبت غيرهم وهم يكرهون الموت ويرغبون في الحياة فإذا رأينا الموت لا بد منه فوالله لنقتلن أبناءنا ونساءنا ونحرق