صدر وأيلة فانتزح الفرنج من بين أيديهم فنزلوا بماء يقال له العسيلة وسبقوا المسلمين إليه فأتاهم المسلمون وهم عطاش قد أشرفوا على الهلاك فرأوا الفرنج قد ملكوا الماء فأنشأ الله سبحانه وتعالى بلطفه سحابة عظيمة فمطروا منها حتى رووا وكان الزمان قيظا والحر شديد في بر مهلك فلما رأوا ذلك قويت نفوسهم ووثقوا بنصر الله لهم وقاتلوا الفرنج فنصرهم الله عليهم فقتلوهم ولم يسلم منهم إلا الشريد الفريد وغنم المسلمون ما معهم من سلاح ودواب وعادوا منصورين قاهرين بفضل الله تعالى.
ذكر ملك صلاح الدين حلب وفي هذه السنة سار صلاح الدين من عينتاب إلى حلب فنزل عليها في المحرم أيضا في الميدان الأخضر وأقام به عدة أيام ثم انتقل إلى جبل جوشن فنزل بأعلاه وأظهر أنه يريد [أن] يبني مساكن له ولأصحابه وعساكره وأقام عليها أياما والقتال بين العسكرين كل يوم.
وكان صاحب حلب عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي ومعه العسكر النوري وهم مجدون في القتال فلما رأى كثرة الخرج كأنه شح بالمال فحضر يوما عنده بعض أجناده وطلبوا منه شيئا فاعتذر بقلة المال عنده فقال له بعضهم من يريد [أن] يحفظ مثل حلب يخرج الأموال ولو باع حلى نسائه فمال حينئذ إلى تسليم حلب وأخذ العوض منها وأرسل مع