فوصل بعضهم إلى المدينة وتحملوا منها إلى البلاد وأقام بعضهم مع العرب حتى وصل إلى البلاد.
ثم إن الله تعالى اقتص للحاج من زعب فلم يزالوا في نقص وذلة ولقد رأيت شابا منهم بالمدينة سنة ست وسبعين وخمسمائة وجرى بيني وبينه مفاوضة قلت له فيها إنني والله كنت أميل إليك حتى سمعت أنك من زعب فنفرت وخفت شرك فقال لم فقلت بسبب أخذكم الحاج فقال لي أنا لم أدرك ذلك الوقت وكيف رأيت الله صنع بنا والله ما أفلحنا ولا نجحنا قل العدد وطمع العدو فينا.
ذكر فتح حصن فاميا في هذه السنة فتح نور الدين محمود بن الشهيد زنكي حصن فاميا من الفرنج وهو مجاور شيزر وحماة على تل عال من أحصن القلاع وأمنعها فسار نور الدين إليه وحصره وبه الفرنج وقاتلهم وضيق على من بها منهم فاجتمع من بالشام من الفرنج وساروا نحوه ليرحلوه عنهم فلم يصلوا إلا وقد ملكه وملأه ذخائر وسلاحا ورجالا وجميع ما يحتاج إليه فلما بلغ سير الفرنج إليه رحل عنه وقد فرغ من أمر الحصن وسار إليهم يطلبهم فحين رأوا أن الحصن قد ملك وقوة عزم نور الدين على لقائهم عدلوا عن طريقه ودخلوا بلادهم وراسلوه في المهادنة وعاد سالما مظفرا ومدحه الشعراء وذكروا هذا الفتح فمن ذلك قال ابن الرومي من قصيدة أولها:
(أسنى الممالك ما أطلت منارها * وجعلت مرهفة الدسار دسارها) (وأحق من ملك البلاد وأهلها * رؤوف تكنف عدله أقطارها)