غمر ثم علموا عجزهم عن لقائه فعادوا إلى حارم فلما عادوا تبعهم نور الدين في أبطال المسلمين على تعبية الحرب.
فلما تقاربوا اصطفوا للقتال فبدأ الفرنج بالحملة على ميمنة المسلمين وفيها عسكر حلب وصاحب الحصن فانهزم المسلمون فيها وتبعهم الفرنج، فقيل كانت تلك الهزيمة من الميمنة على اتفاق ورأي دبروه وهو أن يتبعهم الفرنج فيبعدوا عن راجلهم فيميل عليهم من بقي من المسلمين بالسيوف فإذا عاد فرسانهم لم يلقوا راجلا يلجؤون إليه ولا وزيرا يعتمدون عليه ويعود المنهزمون في آثارهم فيأخذهم المسلمون من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فكان الأمر على ما دبروه فإن الفرنج لما تبعوا المنهزمين عطف عليهم زين الدين علي في عسكر الموصل على راجل الفرنج فأفناهم قتلا وأسرا وعاد خيالتهم ولم يمنعوا في الطلب خوفا على راجلهم فعاد المنهزمون في آثارهم فلما وصل الفرنج رأوا رجالهم قتلى وأسرى فسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد هلكوا وبقوا في الوسط قد أحدق بهم المسلمون من كل جانب فاشتدت الحرب وقامت على ساق وكثر القتل فغي الفرنج وتمت عليهم الهزيمة فعدل حينئذ المسلمون عن القتل إلى الأسر فأسروا ما لا يحد وفي جملة الأسرى صاحب أنطاكية والقمص صاحب طرابلس وكان شيطان الفرنج وأشدهم شكيمة على المسلمين والدوك مقدم الروم وابن جوسلين وكان عدة القتلى تزيد على عشرة آلاف قتيل.
وأشار المسلمون على نور الدين بالمسير إلى أنطاكية وتملكها لخلوها من حام يحميها ومقاتل يدب عنها فلم يفعل وقال أما المدينة فأمرها سهل وأما المدينة القلعة فمنيعة وربما سلموها إلى ملك الروم لأن صاحبها ابن أخيه