سار بعساكره إلى أطراف بلادهم ليمتنعوا عن المسير فلم يمنعهم ذلك لعلمهم أن الخطر في مقامهم إذا ملك أسد الدين مصر أشد فتركوا في بلادهم من يحفظها وسار ملك القدس في الباقين إلى مصر.
وكان قد وصل إلى الساحل جمع كثير من الفرنج في البحر لزيارة البيت المقدس فاستعان بهم الفرنج الساحلية فأعانوهم فسار بعضهم فسار بعضهم معهم وأقام بعضهم في البلاد لحفظها فلما قارب الفرنج مصر فارقها أسد الدين وقصد مدينة بلبيس فأقام بها هو وعسكره وجعلها له ظهرا يتحصن به فاجتمعت العساكر المصرية والفرنج ونازلوا أسد الدين شيركوه بمدينة بلبيس وحصروه بها ثلاثة أسهر وهو ممتنع بها مع أن سورها قصير جدا وليس لها خندق ولا فصل يحميها وهو يغاديهم القتال ويراوحهم فلم يبلغوا منه غرضا ولا نالوا منه شيئا.
فبينما هم كذلك إذ أتاهم الخبر بهزيمة الفرنج على حارم وملك نور الدين حارم ومسيره إلى بانياس على ما نذكره إن شاء الله تعلى فحينئذ سقط في أيديهم وأرادوا العودة إلى بلادهم ليحفظوها فراسلوا أسد الدين في الصلح والعودة إلى الشام ومفارقة مصر وتسليم ما بيده منها إلى المصريين فأجابهم إلى ذلك لأنه لم يعلم ما فعله نور الدين بالشام بالفرنج ولأن الأقوات والذخائر قلت عليه وخرج من بلبيس في ذي الحجة.
فحدثني من رأى أسد الدين حين خرج من بلبيس قال أخرج أصحابه بين يديه وبقي في آخرهم وبيده لت من حديد يحمي ساقتهم والمسلمون والفرنج ينظرون إليه قال فأتاه فرنجي من الغرباء الذين خرجوا من البحر فقال له أما تخاف أن يغدر بك هؤلاء المصريون والفرنج وقد أحاطوا بك وبأصحابك ولا يبقى لكم بقية فقال شيركوه يا ليتهم فعلوه حتى كنت ترى ما أفعله كنت والله أضع السيف فلا يقتل منا رجل حتى يقتل منهم