يقصد بلادهم ليعودوا عن مصر فأرسل إلى أخيه قطب الدين مودود صاحب الموصل وديار الجزيرة وإلى فخر الدين قرا أرسلان صاحب حصن كيفا وإلى نجم الدين ألبي صاحب ماردين وغيرهم من أصحاب الأطراف يستنجدهم فأما قطب الدين فإنه جمع عسكره وسار مجدا وفي مقدمته زين الدين علي أمير جيشه وأما فخر الدين صاحب الحصن فبلغني عنه أنه قال له ندماؤه وخواصه على أي شيء عزمت فقال على القعود فإن نور الدين قد تحشف من كثرة الصوم والصلاة وهو يلقي نفسه في المهالك فكلهم وافقه على هذا الرأي فلما كان الغد أمر بالتجهيز للغزاة فقال له أولئك ما عدا مما بدا فارقناك أمس على حالة فنراك اليوم على ضدها فقال إن نور الدين قد سلك معي طريقا إن لم أنجده خرج أهل بلادي عن طاعتي وأخرجوا البلاد عن يدي فإنه قد كاتب زهادها وعبادها والمتقطعين عن الدنيا يذكر لهم ما لقي المسلمون من الفرنج وما نالهم من القتل والأسر ويستمد منهم الدعاء ويطلب أن يحثوا المسلمين على الغزاة فقد قعد كل واحد من أولئك ومعه أصحابه وأتباعه وهم يقرؤون كتب نور الدين ويبكون ويلعنونني ويدعون علي فلا بد من المسير إليه ثم تجهز وسار بنفسه.
وأما نجم الدين فإنه سير عسكرا، فلما اجتمعت العساكر سار نحو حارم فحصرها ونصب عليها المجانيق وتابع الزحف إليها فاجتمع من بقي بالساحل من الفرنج فجاءوا في حدهم وحديدهم وملوكهم وفرسانهم وقسيسيهم ورهبانهم وأقبلوا إليه من كل حدب ينسلون وكان المقدم عليهم البرنس بيمند صاحب أنطاكية وقمص صاحب طرابلس وأعمالها وابن جوسلين وهو من مشاهير الفرنج والدوك وهو مقدم كبير من الروم وجمعوا الفارس والراجل فلما قاربوه رحل عن حارم إلى أرتاح طمعا أن يتبعوه فيتمكن منهم ببعدهم عن بلادهم إذا لقوه فساروا فنزلوا على