فمن محاسن أعماله انه دخل بلاد الفرنج غازيا فجاز الدرب إليها وهو مضيق بين جبلين وأوغل في بلاد الفرنج يسبي ويخرب ويغنم فلما أراد الخروج رآهم قد سدوا الدرب وهم عليه يحفظونه من المسلمين فاظهر انه يريد المقام في بلادهم وشرع هو وعسكره في عمارة المساكن وزرع الغلات واحضروا الحطب والتين والميرة وما يحتاجون إليه فلما رأوا عزمه على المقام مالوا إلى السلم فراسلوه في ترك الغنائم والجواز إلى بلاده فقال أنا عازم على المقام فتركوا له الغنائم فلم يجبهم إلى الصلح فبذلوا له مالا ودواب تحمل له ما غنمه من بلادهم فأجابهم إلى الصلح وفتحوا له الدرب فجاز إلى بلاده.
وكان أصله من الجزيرة الخضراء وورد شابا إلى قرطبة طالبا للعلم والأدب وسماع الحديث فبرع فيها وتميز ثم تعلق بخدمة صبح والدة المؤيد وعظم محله عندها فلما مات الحاكم المستنصر كان المؤيد صغيرا فخيف على الملك ان يختل فضمن لصبح سكون البلاد وزوال الخوف وكان قوي النفس وساعدته المقادير وأمدته الأمراء بالأموال فاستمال العساكر وجرت الأمور على أحسن نظام.
وكانت أمه تميمية وأبوه معافري بطن من حمير، فلما توفي بعده ابنه عبد الملك الملقب بالمظفر فسار كسيرة أبيه وتوفي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة فكانت ولايته سبع سنين.
وكان سبب موته ان أخاه عبد الرحمن سمه في تفاحة قطعها بسكين كان قد سم أحد جانبيها فناول أخاه ما يلي الجانب المسموم واخذ هو ما يلي الجانب الصحيح فاكله بحضرته فاطمأن المظفر واكل ما بيده منها فمات.