وأما أبو تغلب بن حمدان فإنه أجاب إلى المسارعة وأنفذ أخاه أبا عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدان إلى تكريت في عسكر وانتظر انحدار الأتراك عن بغداد فإن ظفروا ببختيار دخل بغداد مالكا لها، فلما انحدر الأتراك عن بغداد سار أبو تغلب إليها ليوجب على بختيار الحجة في إسقاط المال الذي عليه ووصل إلى بغداد والناس في بلاء عظيم مع العيارين فحمى البلد وكف أهل الفساد.
وأما الأتراك فإنهم انحدروا مع سبكتكين إلى واسط وأخذوا معهم الخليفة الطائع لله والمطيع أيضا وهو مخلوع فلما وصلوا إلى دار العاقول توفي بها المطيع لله ومرض سبكتكين فمات بها أيضا فحملا إلى بغداد، وقدم الأتراك عليهم الفتكين وهو من أكابر قوادهم وموالي معز الدولة وفرح بختيار بموت سبكتكين وظن أن أمر الأتراك ينحل وينتشر بموته فلما رأى انتظام أمورهم ساءه ذلك.
ثم أن الأتراك ساروا إليه وهو بواسط فنزلوا قريبا منه وصاروا يقاتلونه نوائب نحو خمسين يوما ولم تزل الحرب بين الأتراك وبختيار متصلة والظفر للأتراك في كل ذلك وحصروا بختيار واشتد عليه الحصار وأحدقوا به وصار خائفا يترقب وتابع انفاذ الرسل إلى عضد الدولة بالحث والإسراع وكتب إليه:
(فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي * وإلا فأدركني ولما أمزق) فلما رأى عضد الدولة ذلك وأن الأمر قد بلغ ببختيار ما كان يرجوه سار نحو العراق نجدة له في الظاهر وباطنه بضد ذلك.