كان قد بلغوا وقد آنستم منهم رشدا بالاختبار السابق فادفعوا إليهم أموالهم، ومعلومية عدم انتهاء الابتلاء بالبلوغ لا يقضي بكونه بعده، بل المراد أن هذا محله الذي يتعقبه تسليم المال بعد البلوغ بلا فصل إذا فرض حصول الرشد منه، وصدق اليتيم على قريب العهد مجاز لا داعي إليه، بل قد عرفت وجود الداعي إلى خلافه، ومن اتفاق الأصحاب ظاهرا كما أنك عرفت تمام الكلام في الآية في البحث عن علامات البلوغ فلاحظ.
مضافا إلى ما في تأخير الاختبار بعد البلوغ إلى حصول الضرر بالحجر على مال البالغ، خصوصا إذا طال الزمان، ولا ملازمة بين ابتلائه قبل بلوغه، وبين صحة معاملاته المعلوم اشتراطها بالبلوغ، إذ الاختبار أعم من ذلك قطعا لاحتمال حصوله بالمساومة والمماكسة خاصة، وبالتواطي من الولي والبايع فيما هو مال الطفل، ونحو ذلك بل يحصل الابتلاء بغير العقود، والقول بشرعية أفعال الصبي لا مدخلية له في الصحة، إذ ذاك في العبادات، وإذن الولي مع أنه غير محقق لما عرفت من أعمية الاختبار من العقد لا تجدي في غير البالغ، سواء كانت سابقة أو لاحقة كما هو واضح.
وعلى كل حال فمما سمعت يعلم أن ما عن المبسوط والجماعة من ذكر كيفية الابتلاء لا يريدون به الخصوصية قطعا، قال في الأول: الأيتام على قسمين ذكور وإناث، فالذكور على ضربين ضرب يبذلون في الأسواق ويخالطون الناس بالبيع والشراء وضرب يصانون عن الأسواق فالذين يخالطون الناس فإنه يعرف اختبارهم بأن يأمره الولي أن يذهب إلى السوق ويساوم في السلع ويقاول فيها ولا يعقد العقد، فإن رآه يحسن ذلك ولا يغبن فيه علم أنه رشيد، وإلا لم يفك عنه الحجر، وقيل:
أنه يشترى له بغير أمره ويواطي البايع على بيعها من اليتيم وينقذه الولي ليشتريها منه، وقيل: إنه يدفع إليه شئ من المال يشتري به سلعة، ويصح شراؤه للضرورة فيجيز.
وإن كان اليتيم ممن يصان عن الأسواق مثل أولاد الرؤساء فإن اختبارهم أصعب فيدفع الولي إليهم نفقه شهر يختبرهم فينظر، فإن دفعوا إلى أكرتهم وغلمانهم وعمالهم ومعامليهم حقوقهم من غير تبذير، وأقسطوا في النفقة على أنفسهم في مطاعمهم