إذ من الواضح إرادة الواقف من الوقف تأبيد حبس العين وإطلاق المنفعة، وبذلك كان من الصدقة الجارية، التي ورد الحث عليها (1) وأنها من التي لا ينقطع عمل ابن آدم منها بعد موته، بل الظاهر أن التأبيد المزبور من مقتضيات الوقف ومقوماته، كما أن نفي المعاوضات على الأعيان مأخوذ فيه ابتداء، خصوصا بعد ملاحظة تعلق حق الأعقاب به، بل يمكن دعوى ضرورية ذلك من أعوام المتشرعة، فضلا عن علمائهم، ومن هنا اتفق الأصحاب على أن الأصل فيه المنع، وإن اختلفوا فيما خرج عنه بالدليل أو بزعمه بل في السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز بيعه إذا كان مؤبدا، ونزل خلاف الأصحاب في المنقطع منه، ولعله لما عرفت، بل منه يعلم عدم جواز الانقطاع في الوقف، وأنه إن وقع منقطعا يبطل أو يقع حبسا كما تعرفه في محله إنشاء الله خلافا لبعضهم فجوزه وقفا، كما يأتي تحقيقه إنشاء الله في محله والذي يقوى في النظر بعد امعانه، أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من المتضاد، نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز البيع، والظاهر تحقق البطلان فيما لو خرب الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتد بها منه في إتلافه، كالحصير والجذع ونحوهما مما لا منفعة معتد بها فيه إلا باحراقه مثلا، وكالحيوان بعد ذبحه مثلا وغير ذلك، ووجه البطلان حينئذ فقدان شرط الصحة في الابتداء المراعى في الاستدامة بحسب الظاهر، وهو كون العين ينتفع بها مع بقائها، كما أنه قد يقال بالبطلان أيضا في انعدام عنوان الوقف فيما لو وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية، فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك، فإنه وإن لم تبطل منفعتها أصلا لامكان الانتفاع بها دارا
(٣٥٨)