حيث عرف الأطباء الطب، بعضه تجربة وبعضه بعلاج، إلى أن قال:
أفيقدر الساحر أن يحول الانسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟ قال: هو أعجز من ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله إن من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره، فهو شريك لله في خلقه، تعالى لله عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت، لدفع عن نفسه الهرم والآفة والأمراض، وينفي البياض عن رأسه والفقر عن ساحته، وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب بها العداوة بين المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور، ويكشف الستور والنمام أشر من وطئ على الأرض بقدم، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرأه إلى آخره).
لكن الانصاف عدم ثبوت حرمة ما رجع منه إلى الخواص، حتى خواص الحروف التي لا سبيل إلى إنكارها، وما يحصل منه بصفاء النفس بالطرق الشرعية الذي يعد مثله كرامة، ولعله من باب يا عبدي أطعني أو نحوه، وما رجع منه إلى تركيب الأجسام على النسب الهندسية أو غيرها، إلا إذا استلزم اضرارا بالغير أو تدليسا بدعوى نبوة ونحوها، للأصل والسيرة المستمرة، وعدم ثبوت كون مثله سحرا، وبعد تسليمه فعلل المنساق من نصوص الحرمة غيره، من أفراد التخييل والنفث، وتسخير الأرواح الأرضية أو السماوية ونحو ذلك، بل لعل المشكوك فيه أنه منها أو من المحرم كذلك أيضا، فما نجده في بعض الكتب من خواص بعض الطلسمات وبعض الرقي وبعض الأجسام لا بأس حينئذ باستعماله، وإن كان الأحوط تركه أيضا، فتأمل جيدا والله أعلم.