وعلى أثره مات عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بالسم، وكان سبب ذلك أم معاوية حينما كان يدعو إلى بيعة بزيد قال له عبد الرحمن هذا: أهرقلية إذا مات كسرى كان كسرى مكانه؟ لا نفعل والله أبدا، فبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم، فردها عبد الرحمن وقال: " أبيع ديني بدنياي ".
وما لبث أن مات فجأة بموضع يقال له الحبشي! (جبل بأسفل مكة) وحمل إلى مكة فدفن فيها (1). وممن سمهم معاوية كذلك مالك بن الأشتر الذي ولاه الامام على على مصر وكان سمه في عسل ولذلك قال عمرو بن العاص في ذلك إن لله جنودا من عسل. ولا نحصي من تخلص منهم معاوية بالسم.
وهذه سنة الحكام الطغاة في كل زمان، ولعلك لا تنسى أن عبد الرحمن بن أبي بكر كان في حرب الجمل مع عائشة أخته وكان هو وعبد الرحمن بن خالد مع معاوية في حرب صفين، ولكن الطغاة لا يبالون شيئا عند طغيانهم، ومن العجيب أن عائشة لم تغير موقفها في تأييد معاوية وقد قضى على أخوين لها.
عبد الرحمن هذا، ومن قبله محمد بن أبي بكر، وكان ولاه الامام على مصر فقتلوه ومثلوا به أبشع تمثيل فألقوه بعد قتله في جيفة حمار وألقوا به في العراء.
ومن أعجب العجب أن عائشة لم يفثأ من غليان حقدها ولم يطفئ من نار غيظها أن قتل على وخلا الجو لها، واستولى على الملك من تؤثرهم بحبها، فقد وقفت من الحسن موقفا يدل على الخسة يشاركها في ذلك بنو أمية، ذلك أنه بعد أن سمه معاوية وشعر بدنو أجله وأرسل إلى عائشة أن تأذن له بأن يدفن مع جده، ففزعت وأسرعت فركبت بغلا واستنفرت بنى أمية، وكان على المدينة حينئذ مروان بن الحكم فاشتملوا بالسلاح وقالوا: لا يدفن مع النبي، فبلغ ذلك الحسن عليه السلام فأرسل إلى أهله: أما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه، ادفنوني إلى جانب أمي، فدفن إلى جانب أمه فاطمة عليها السلام (ص 75 من مقاتل الطالبين).