سمعت هارون بن عيسى بن المسكين ببلد الموصل قال: سمعت أحمد بن منصور الرمادي يقول: كنا عند أبي نعم (1) نسمع مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قال: فجاءنا يوما يحيى ومعه ورقة قد كتب فيها أحاديث من أحاديث أبى نعيم، وأدخل في خلالها ما ليس من حديثه، وقال: أعطه بحضرتنا حتى يقرأ. كان أبو نعيم إذا قعد في تيك الأيام للتحديث كان أحمد على يمينه ويحيى على يساره، فلما خف المجلى ناولته الورقة فنظر فيها كلها ثم تأملني، ونظر إليها ثم قال - وأشار إلى أحمد -: أما هذا فآدب من أن يفعل مثل هذا، وأما أنت فلا تفعلن، وليس هذا إلا من عمل هذا، ثم رفس يحيى رفسة رماه إلى أسفل السرير، وقال: على تعمل! فقام إليه يحيى وقبله، وقال: جزاك الله عن الاسلام خيرا. مثلك من يحدث أنما أردت أن أجربك.
أخبرنا عبد الملك بن محمد قال: سمعت عباس بن محمد (2) يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه.
قال أبو حاتم: فهذه عناية هذه الطائفة بحفظ السنن على المسلمين، وذب الكذب عن رسول رب العالمين ولولاهم لتغيرت الاحكام عن سننها حتى لم يكن يعرف أحد صحيحها من سقيمها، والملزق بالنبي صلى الله عليه وسلم والموضوع عليه مما روى عنه الثقات والأئمة في الدين.
فإن قال قائل: فكيف جرحت من بعد الصحابة؟، وأبيت ذلك في الصحابة والسهو والخطأ موجود في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين؟ يقال له: إن الله - عز وجل - نزه أقدار أصحاب رسوله - عن ثلب قادح، وصان أقدارهم عن وقيعة متنقص وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم، وقد قال الله - جل وعلا (3) -: " إن أولى الناس