ألا ترى إلى قوله تعالى فإن أمن بعضكم بعض فلم يرد بهذا النهي كراهة الفعل فإن قال ليس هذا بنهي وإن كان في صورة النهي قيل له ولفظ الأمر إذا لم يقارنه كراهة الترك فليس بأمر على الحقيقة وإن كان في صورة الأمر كما قلت في النهي سواء دليل آخر وهو أن تارك الأمر يلحقه سمة العصيان في اللغة قال الله تعالى أفعصيت أمري وقال وما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك فذمه ولعنه على ترك المأمور به قاصدا له فإن قيل لم يستحق إبليس الذم بترك الأمر بمجرده وإنما استحقه بالاستكبار لأن الله تعالى حكى عنه أنه أبى واستكبر قيل له قد استحق الذم بالأمرين جميعا بترك الأمر على حياله وبالاستكبار لأنه أيضا لأن قوله تعالى ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قد اقتضى توجيه اللائمة إليه لترك الأمر متعريا من الاستكبار والآية الأخرى أوجبت الذم بالاستكبار ويدل على أن تارك الأمر يستحق سمة العصيان في اللغة قول دريد بن الصمة أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد فلما عصوني كنت منهم وقد أرى * غوايتهم وأني غير مهتد فسمى تارك الأمر عاصيا ولا يستحق سمة العصيان إلا تارك الواجبات
(٩٤)