في قوله تعالى أياما معدودات فأخبر أن الصوم الذي كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا إنما هو أيام معدودات فلم يتناول الليل قط فسقط قوله إن ما نسخ من ذلك قد كان موجبا بالآية قبل نسخها وأما قوله في شرب الخمر أنه كان مباحا بقوله تعالى ومنافع للناس وأنه قد قرنها بالإثم بقوله تعالى قل فيهما إثم كبير ثم قال تعالى وإثمهما أكبر من نفعهما وهذا اللفظ قد اقتضى تحريمها لأن الإثم كله محرم بقوله تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم وذكر المنافع التي فيها لا يدل على الإباحة لأن سائر المحظورات قد يمكن الانتفاع بها في أمور الدنيا مع بقاء الحظر وأما قوله إنهم قد كانوا يشربونها بعد نزول الآية فلا دلالة فيه على الإباحة لأنه ليس فيه أنهم كانوا يشربونها مع علم النبي عليه السلام بشربهم إياها وإقراره إياهم عليه وجائز أن يكون قد كان يشربه من لم يعلم بالحظر وظن أن الآية لم توجب تحريمها فإن قال قائل ليس في تحريم الخمر بعد إباحتها دلالة على ما ذكرت لأن إباحتها قبل نزول الآية كانت من طريق العقل وكون الأشياء مباحة في الأصل قبل ورود الشرع ومثل هذا لا يطلق فيه اسم النسخ فلا يمتنع ورود الكتاب بحظرها ولا يدل على جواز نسخ السنة بالقرآن لأن موضع الخلاف بينك وبينهم إنما هو فيما يثبت حكمه بالسنة هل يجوز نزول القرآن بزواله ونسخه أم لا قيل له هذا غلط من وجهين أحدهما أنهم قد كانوا يشربونها في أول الإسلام مع علم النبي عليه السلام بذلك فصار إقراره إياهم عليه إباحة منه بشربها من طريق الشرع بمنزلة قوله لو قال قد أبحت لكم شربها لا فرق بين وجود لفظه منه عليه السلام من ذلك وبين إقراره إياهم عليه وقد وردت الآية بعد ذلك بنسخه على الوجه الذي ذكرنا فثبت نسخ السنة بالقرآن
(٣٢٩)