منهم على من عمل بالأول فكان في ترك بعضهم النكير على بعض فيما ذهب إليه من حكم أحد الخبرين دلالة على جواز الاجتهاد عندهم في استعمال أحد الخبرين أيهما كان دون الآخر وأما قوله وان عابوا من عمل بالآخر كان ما عمل به الناس هو المستعمل فلأنهم إذا عابوا على الآخرين ما ذهبوا إليه من ذلك فقد أبانوا عن نسخ الآخر وأفصحوا به ولولا أن ذلك كذلك لكان الاجتهاد فيه سائغا عندهم وما يسوغ فيه الاجتهاد لا يسع بعضهم إظهار النكير فيه على بعض فدل ظهور النكير منهم على الآخرين فيما ذهبوا إليه على أن خبرهم ثابت عندهم غير منسوخ فصار ذلك كالإخبار منهم بأن الثابت هو الذي استعملوه دون الآخر ولأن نسخ الأول لو كان ثابت لعرفوه كما عرفوا الأول ولظهر النسخ فيهم كما ظهر الأول حتى لا يشذ عن علمه إلا القليل منهم كالنهي عن لحوم الأضاحي وزيارة القبور والشرب في الظروف ومتعة النساء على حسب ما حكيناه عن عيسى بن أبان رحمه الله فإن قال قائل كيف يكون الأول ناسخا للآخر قيل له لم نقل ان الأول ناسخ للآخر وإنما قلنا إن ما ذكرناه من حال يدل على أنه هو الثابت الحكم دون الآخر وأن الآخر لا ينفك من أحد معنيين إما أن يكون غير ثابت في الأصل وإن كان ثابتا فهو محمول على معنى لا يخالف الأول أيكون منسوخا بالأول ولكن بمعنى آخر لم ينقل إلينا كما قلنا فيما دل الإجماع على نسخه من الأخبار قال أبو بكر وما حكيناه عن عيسى من أن نسخ الأول لو كان ثابتا لظهر فيهم كظهور الحكم الأول صحيح يجب اعتباره وذلك لأن الحكم إذا ثبت وانتشر في الكافة ثم أحدث النبي عليه السلام نسخا فلا بد من أن يظهره عليه السلام للكافة حتى يعرفوه كما كانوا عرفوا المنسوخ قبل نسخه لأنه إذا علم أنهم ثابتون على الحكم الأول معتقدون لبقائه
(٢٩٢)