بها في النفس أنه أولى منه كما قلنا في المخبرين إذا أخبر أحدهما بنجاسة الطعام والشراب والآخر بطهارته أنه متى غلب في الظن صحة أحد الخبرين عملنا عليه وألغينا الآخر فالخبران المتضادان عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات حكم الحظر دون الإباحة بمنزلة غلبة الظن في خبر أحد المخبرين بالنجاسة والطهارة ولا يشبه تساوي الخبرين المتضادين في هذا الوجه تساوي خبر المخبرين في الطهارة والنجاسة فيسقطان ويبقى الشئ مباحا على الأصل لأنه غير جائز ارتفاع حكم النجاسة بعد حلولها في الطعام أو الشراب فيعتبر فيه ورود الإباحة على الحظر وظهور أمرها لو ثبت على حسب ما قلنا في أخبار النبي عليه السلام فلما لم يكن هاهنا حال يغلب بها جهة الحظر دون الإباحة تساوي الخبران جميعا وسقطا ولم يثبت لهما الحكم وصارا كأنهما لم يردا وبقي الشئ على أصل الإباحة فإن قال قائل إن كانت العلة في تغليب جهة الحظر على الإباحة ما ذكرت من أن الإباحة لو كانت بعد الحظر لظهر أمرها وانتشر تاريخها حتى يعرفها عامة من عرف الحظر فإن ذلك يلزمك مثله في الإباحة لأن الحظر لو كان ثابتا بعد الإباحة لظهر تاريخ الحظر عنها ولعرفه إن عامة من عرف الإباحة متأخرا عنها قيل له لا يجب ذلك لأن ورود خبر الإباحة ليس بأكثر في إيجابه ما أوجب من ذلك بأكثر من علمنا بكون الشئ مباحا على الأصل وإقرار النبي عليه السلام الناس عليها ثم لم يجب إذا ورد خبر الحظر عاريا عن خبر الإباحة لفظا عن النبي عليه السلام أن تكون الإباحة أولى بل أن يكون الحظر أولى ولا يحتاجون أن ينقلوا إلينا أن هذا الحظر كان بعد إقرار النبي عليه السلام الناس على الإباحة المتقدمة كذلك إذا نقل لفظ الإباحة عن النبي عليه السلام ونقل الحظر فليس يجب عليهم ذكر ورود الحظر بعد الإباحة لأن ذلك قد علم كونه على هذا الوجه فلا يحتاج فيه إلى نقل التاريخ وأما إذا ثبت الحظر ثم نقلوا عنه إلى الإباحة فلا بد من نقل تاريخه وظهوره فيمن عرف الحظر فإذا لم يوجد بهذا الوصف فعلى أن الإباحة واردة على ما كان عليه الأصل وأن الحظر وارد بعدها فكان أولى فإن قال قائل ما ذكرت في الفصل بين أخبار النبي عليه السلام وبين خبر
(٣٠١)