عليهم فغير جائز أن يقرهم على اعتقاد ثبوته والعمل به مع إيجاب نسخه لأنه لو أقرهم على ذلك لكان فيه إقرارهم على اعتقاد الشئ على خلاف ما هو عليه وعلى العمل بالمنسوخ الذي لا يجوز العمل به ولكان فيه أيضا ترك الإبلاغ الذي أمره الله تعالى به بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وقوله تعالى فاصدع بما تؤمر وكان صلى الله عليه وسلم من أشد الناس مسارعة إلى اتباع أمر الله تعالى فوجب من أجل ذلك إظهار الحكم الناسخ ممن عرف الحكم المنسوخ بدءا ومتى أظهره فيهم نقلوه كما نقلوا الأول ولو نقلوه لاستفاض فيهم وظهر كظهور الأول فلما لم ينقل الحكم الآخر إلا الشاذ منهم وثبت الحكم الأول بنقل الكافة كان الحكم الأول ثابتا غير مرفوع بالشاذ الذي لا يوازيه في النقل والاستعمال وأيضا فإن الحكم الآخر إذا كانت الحاجة إلى معرفته ماسة ثم عرف الأول فالواجب توقيفهم عليه وإعلامهم إياه فيكون الحكم الناسخ بمنزلة الأشياء التي تعم البلوى بها فلا يقبل فيه إلا نقل الكافة ولا يلتفت فيه إلى نقل الشاذ فيصير الحكم بالآخر حينئذ بمنزلة ما لم يرد فيه نقل وصار الأول ثابتا غير معارض بالآخر قال أبو بكر رحمه الله وينبغي أن يكون كذلك حكم الآيتين إذا أوجبتا حكمين لا يصح اجتماعهما على الوجوه التي ذكرها في الأخبار فإن قال قائل إنما وجب ذلك من جهة أن عمل الناس بأحدهما يدل على ضعف الآخر ووهانته كما من طريق النقل أو على
(٢٩٣)