لأنه لم يوجد بعده ما يزيله وفي ثبوته نفي الأول لتضادهما وأما قوله ان احتمل الموافقة ساغ الاجتهاد فلأنه إذا احتمل النسخ واحتمل الموافقة لم يجز إثبات النسخ بالاحتمال ولا الحكم بالموافقة أيضا بالاحتمال إذ ليس أحد وجهي الاحتمال بأولى من الآخر فصار طريقه الاجتهاد والاستدلال بالأصول على ثبوتهما بالحمل على الموافقة أو إثبات حكم أحدهما بإثبات النسخ فإن قال قائل هلا حكمت بالموافقة دون النسخ من غير اعتبار الأصول لأن الأصل أن كل خبر حكمه ثابت قائم بنفسه حتى يثبت ما يزيله فإذا احتمل كون الثاني ناسخا للأول واحتمل كونه موافقا له لم يزل عن الحكم الأول إلا بيقين ولم يثبت النسخ بالشك قيل له هذا غلط لأن هاهنا أصل آخر وهو أن الخبر الثاني إذا كان حكمه منافيا للحكم الأول فهو ناسخ له فإذا احتمل الموافقة صار بقاء الحكم الأول مشكوكا فيه وصار إيجاب النسخ مشكوكا فيه أيضا فلما تطرق الشك على الحكمين جميعا احتجنا إلى اعتبارهما بالأصول فإن شهدت الأصول لأحد الحكمين دون الآخر كان حكمه ثابتا فإن كان هو الأول حمل الثاني على موافقته وإن شهدت الأصول للثاني دون الأول كان الخبر الثاني ثابت الحكم وكان الأول محمولا على موافقة الثاني وأما قوله فإن عمل الناس بالأول وهو الظاهر في يد أهل العلم والآخر خامل لا يعمل به إلا الشاذ نظر فإن سوغ الذين عملوا بالأول العمل بالآخر ساغ الاجتهاد فيه وان عابوا من عمل بالآخر كان ما عمل به الناس هو المستعمل فإن الأصل فيه أن عملهم بالأول مع تركهم النكير على من عمل بالثاني دليل على أن طريق استعمال حكم كل واحد منهما الاجتهاد لولا ذلك لكان الآخر عندهم نسخا للأول ولظهر النكير
(٢٩١)