كان هذا كما وصفنا أن ينسخ الرسم فتزول هذه الأحكام عن المنسوخ ويبقى حكمه فيكون بمنزلة سائر السنن كما نسخ رسم الكتب القديمة وتلاوتها وكثير من أحكامها ومعانيها باقية فإن قال قائل كيف يجوز نسخ الرسم والتلاوة وهو مما لا يجوز أن يختلف حكم الاعتقاد فيه فيعتقد في حال أنه قرآن وفي حال أنه غير قرآن وهلا كان بمنزلة سائر الأشياء التي لا يجوز نسخها كأخبار الله تعالى أن اعتقادنا في مخبراتها لما لم يختلف حكمها في حال فنعتقد في حال نزولها موجب مخبراتها ونعتقد في حال أخرى خلاف ذلك لم يجز نسخها قيل له ما ذكرت لا يمنع نسخ الرسم والتلاوة على الوجه الذي ذكرنا وذلك لأن القرآن إنما كان قرآنا لوجوده على هذا الضرب من النظام المعجز للإنس والجن والله قادر على إزالة النظم ورفعه من قلوب عباده وأوهامهم كما قال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك فإذا ذهب به وأنساه خلقه لم يكن قرآن لأن ما ليس بموجود لا يسمى قرآنا وإذا كان كذلك لم يمتنع ورود النسخ فيه على هذا الوجه إلا أن الاعتقاد الأول باق في أن ما أنزل على ذلك الضرب من النظام كان قرآنا حين كان موجودا متلوا ومسطورا لأن فإذا عدم ذلك فيه لم يكن في هذا الحال قرآنا وليس كذلك مخبر اخبار الله تعالى لأنه قد لزمنا اعتقاد معناه على ما وقع عليه ورود الخبر به وذلك المعنى الذي ورد الخبر لم يتغير ولم يتبدل فلا يصح أن نتعبد بخلاف معتقده وأما النظم الذي من أجله كان قرآنا إذا زال فقد زال المعنى الذي من أجله لزم الدوام على الاعتقاد في بقائه في المستقبل قرآنا فلذلك اختلفا
(٢٦١)