من ذلك وحدة موضوع العلم وإن لم نكن نعرفه بعينه (1).
ولكن الذي يقتضيه النظر عدم تمامية شيء منها; لأنه لم يقم دليل على لزوم وجود موضوع واحد لكل علم; حتى يتكلف في إثباته إلى تمحلات شديدة وتكلفات شاقة والتقول بما لا ينبغي، كما سيتلى عليك.
وغاية ما يقتضيه الاعتبار، ويجب الالتزام به في كل علم، هو وجود سنخية وارتباط بين أكثر مسائل العلم بعضها مع بعض في ترتب الأثر الواحد السنخي عليها وإن كان بين موضوعاتها أو محمولاتها اختلاف، مثلا: المسائل الفقهية تشترك في أنه يبحث فيها عن القوانين والمقررات الإلهية مع اختلاف مسألة «الصلاة واجبة» مع مسألة «الخمر حرام» من حيث الموضوع والمحمول، وكلتا المسألتين مع مسألة «الماء طاهر»... وهكذا.
نعم: بين تلك المسائل المتشتتة نحو ارتباط وسنخية; حيث تكون راجعة إلى القوانين والأحكام الإلهية وبيان وظائف العباد، فلأجلها دون علم الفقه.
يشهد لما ذكرنا: ملاحظة بدء تأسيس العلوم المتعارفة، فإذا تأملت فيها ترى أن مسائل كل علم في بدء تأسيسه، كانت قليلة غاية القلة - لعلها لا تتجاوز عدد الأصابع - تجمعها خصوصية كامنة في نفس المسائل، بها تمتاز عن مسائل سائر العلوم، ثم إنه جاء الخلف بعد السلف في الأعصار المتأخرة، فأضافوا عليها مسائل ومباحث لم تكن معهودة ولم تكن معنونة، حتى بلغت - بحسب الكثرة - حدا يصعب حفظها والإحاطة بها، بل ربما لا يتمكن من الإحاطة بجلها، فضلا عن الإحاطة بها جميعا.
مثلا: مسائل علم الطب في بدء تأسيسه في الأدوار المتقدمة، كانت قليلة لعلها لا تتجاوز عدد الأصابع، راجعة إلى صحة البدن وفساده; بحيث يمكن أن يعرفها