حتى في الشبهة التي لا يوجد في موردها أصل مؤمن لان التأمين فيه مستند إلى الاطمئنان لا إلى الأصل، بخلاف التقريب الثاني كما هو واضح.
8 - إذا كان ارتكاب الواقعة في أحد الطرفين غير مقدور:
قد يفرض ان ارتكاب الواقعة غير مقدور ويعلم اجمالا بحرمتها أو حرمة واقعة أخرى مقدورة وفي مثل ذلك لا يكون العلم الاجمالي منجزا.
وتفصيل الكلام في ذلك أن القدرة تارة تنتفي عقلا كما إذا كان المكلف عاجز عن الارتكاب حقيقة، وأخرى تنتفي عرفا بمعنى ان الارتكاب فيه من العنايات المخالفة للطبع والمتضمنة للمشقة ما يضمن انصراف المكلف عنه ويجعله بحكم العاجز عنه عرفا وإن لم يكن عاجزا حقيقة، كاستعمال كأس من حليب في بلد لا يصل إليه عادة. ويسمى هذا العجز العرفي بالخروج عن محل الابتلاء.
فان حصل علم اجمالي بنجاسة أحد مائعين مثلا وكان أحدهما مما لا يقدر المكلف عقلا على الوصول إليه فالعلم الاجمالي غير منجز، ويقال في تقريب ذلك عادة: ان الركن الأول منتف لعدم وجود العلم بجامع التكليف، لان النجس إذا كان هو المائع الذي لا يقدر المكلف على ارتكابه فليس موضوعا للتكليف الفعلي، لان التكليف الفعلي مشروط بالقدرة فلا علم اجمالي بالتكليف الفعلي إذن. وكأن أصحاب هذا التقريب جعلوا الاضطرار العقلي إلى ترك النجس كالاضطرار العقلي إلى ارتكابه، فكما لا ينجز العلم الاجمالي مع الاضطرار إلى ارتكاب طرف معين منه - على ما مر في الحالة الثانية - كذلك لا ينجز مع الاضطرار العقلي إلى تركه، لان التكليف مشروط بالقدرة وكل من الاضطرارين يساوق انتفاء القدرة فلا يكون التكليف ثابتا على كل تقدير. والتحقيق ان الاضطرارين يتفقان في نقطة ويختلفان في أخرى، فهما يتفقان في عدم صحة توجه النهي والزجر معهما فكما لا يصح ان يزجر المضطر إلى شرب المائع عن شربه