الاستصحاب أصل أو امارة؟
قد عرفنا سابقا الضابط الحقيقي للتمييز بين الحكم الظاهري في باب الامارات والحكم الظاهري في باب الأصول، وهو: انه كلما كان الملحوظ فيه أهمية المحتمل كان أصلا. وكلما كان الملحوظ قوة الاحتمال وكاشفيته محضا كان المورد امارة.
وعلى هذا الضوء إذا درسنا الكبرى المجعولة في دليل الاستصحاب واجهنا صعوبة في تعيين هويتها ودخولها تحت أحد القسمين، وذلك لان ادخالها في نطاق الامارات يعني افتراض كاشفية الحالة السابقة وقوة احتمال البقاء، مع أن هذه الكاشفية لا واقع لها - كما عرفنا في الحلقة السابقة - ولهذا أنكرنا حصول الظن بسبب الحالة السابقة، وادخالها في نطاق الأصول يعني ان تفوق الاحكام المحتملة البقاء على الاحكام المحتملة الحدوث في الأهمية أوجب إلزام الشارع برعاية الحالة السابقة، مع أن الاحكام المحتملة البقاء ليست متعينة الهوية والنوعية، فهي تارة وجوب، وأخرى حرمة، وثالثة إباحة، وكذلك الامر فيما يحتمل حدوثه، فلا معنى لان يكون سبب تفضيل الاخذ بالحالة السابقة، الاهتمام بنوع الاحكام التي يحتمل بقاؤها. وبعبارة أخرى ان ملاك الأصل - وهو رعاية أهمية المحتمل - يتطلب أن يكون نوع الحكم الملحوظ محددا، وكما في نوع الحكم الترخيصي الملحوظ في أصالة الحل، ونوع الحكم الالزامي الملحوظ في