ومن هنا قلنا سابقا: إن المستقلات العقلية تنحصر في مسألة واحدة، وهي مسألة التحسين والتقبيح العقليين، لأ أنه لا يشارك الشارع حكم العقل العملي إلا فيها، أي أن العقل النظري لا يحكم بالملازمة إلا في هذا المورد خاصة (1).
وجه حجية العقل:
4 - إذا عرفت ما شرحناه، وهو أن العقل النظري يقطع باللازم - أعني حكم الشارع - بعد قطعه بثبوت الملزوم الذي هو حكم الشرع أو العقل.
وبعد فرض قطعه بالملازمة نشرع في بيان وجه حجية العقل، فنقول:
لقد انتهى الأمر بنا في البحث السابق إلى أن الدليل العقلي ما أوجب القطع بحكم الشارع، وإذا كان الأمر كذلك فليس ما وراء القطع حجة، فإنه تنتهي إليه حجية كل حجة، لأ أنه - كما تقدم ص 22 - هو حجة بذاته، ولا يعقل سلخ الحجية عنه.
وهل تثبت الشريعة إلا بالعقل؟ وهل يثبت التوحيد والنبوة إلا بالعقل؟
وإذا سلخنا أنفسنا عن حكم العقل فكيف نصدق برسالة؟ وكيف نؤمن بشريعة؟ بل كيف نؤمن بأنفسنا واعتقاداتها؟ وهل العقل إلا ما عبد به الرحمن؟ وهل يعبد الديان إلا به؟
إن التشكيك في حكم العقل سفسطة ليس وراءها سفسطة! نعم، كل ما يمكن الشك فيه هو الصغريات، أعني ثبوت الملازمات في المستقلات العقلية أو في غير المستقلات العقلية. ونحن إنما نتكلم في حجية العقل لإثبات الحكم الشرعي بعد ثبوت تلك الملازمات. وقد شرحنا في الجزء