الثواب والعقاب من قبل المولى. والذي ينفع في استكشاف حكم الشارع هو الثاني ولا يكفي الأول.
ولو فرض أنا صححنا الاستلزام للثواب والعقاب، فإن ذلك لا يدركه كل أحد. ولو فرض أنه أدركه كل أحد فإن ذلك ليس كافيا للدعوة إلى الفعل إلا عند الأوحدي (1) من الناس. وعلى أي تقدير فرض فلا يستغني أكثر الناس عن توجيه الأمر من المولى أو النهي منه في مقام الدعوة إلى الفعل أو الزجر عنه.
وإذا كان نفس إدراك الحسن والقبح غير كاف في الدعوة - والمفروض لم يقم دليل سمعي على الحكم - فلا نستطيع أن نحكم بأن الشارع له أمر ونهي على طبق حكم العقل قد اكتفى عن بيانه اعتمادا على إدراك العقل ليكون حكم العقل كاشفا عن حكمه، لاحتمال ألا يكون للشارع حكم مولوي على طبق حكم العقل حينئذ. وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، لأن المدار على القطع في المقام.
والجواب: أنه قد أشرنا في الحاشية (ج 2 ص 294) إلى ما يفند الشق الأول من هذه الدعوى الثانية، إذ قلنا: الحق أن معنى استحقاق المدح ليس إلا استحقاق الثواب، ومعنى استحقاق الذم ليس إلا استحقاق العقاب، لا أنهما شيئان أحدهما يستلزم الآخر، لأن حقيقة المدح والمقصود منه هو المجازاة بالخير لا المدح باللسان، وحقيقة الذم والمقصود منه هو المجازاة بالشر لا الذم باللسان. وهذا المعنى هو الذي يحكم به العقل، ولذا قال المحققون من الفلاسفة: " إن مدح الشارع ثوابه وذمه عقابه " (2). وأرادوا هذا المعنى.