العلم بها يحصل للمخاطب قطع بدوي أو ظن بدوي يزولان عند العلم بها، فيقال حينئذ: قد انعقد للكلام ظهور على خلاف ما تقتضيه القرينة المنفصلة. وهذا كلام شايع عند الأصوليين (راجع ج 1 ص 194) وفي الحقيقة أن غرضهم من ذلك: الظهور الابتدائي البدوي الذي يزول عند العلم بالقرينة المنفصلة، لا أنه هناك ظهوران: ظهور لا يزول بالقرينة المنفصلة، وظهور يزول بها. ولا بأس أن يسمى هذا الظهور البدوي " الظهور الذاتي " وتسميته بالظهور مسامحة على كل حال.
وعلى كل حال، سواء سميت الدلالة التصورية ظهورا أم لم تسم، وسواء سمي الظن البدوي ظهورا أم لم يسم، فإن موضع الكلام في حجية الظهور هو الظهور الكاشف عن مراد المتكلم بما هو كاشف وإن كان كشفا نوعيا.
وجه حجية الظهور إن الدليل على حجية الظاهر منحصر في بناء العقلاء. والدليل يتألف من مقدمتين قطعيتين - على نحو ما تقدم في الدليل على حجية خبر الواحد من طريق بناء العقلاء - وتفصيلهما هنا أن نقول:
المقدمة الأولى: إنه من المقطوع به الذي لا يعتريه الريب أن أهل المحاورة من العقلاء قد جرت سيرتهم العملية وتبانيهم في محاوراتهم الكلامية على اعتماد المتكلم على ظواهر كلامه في تفهيم مقاصده، ولا يفرضون عليه أن يأتي بكلام قطعي في مطلوبه لا يحتمل الخلاف.
وكذلك هم - تبعا لسيرتهم الأولى - تبانوا أيضا على العمل بظواهر كلام المتكلم والأخذ بها في فهم مقاصده، ولا يحتاجون في ذلك إلى أن يكون كلامه نصا في مطلوبه لا يحتمل الخلاف.