بلا بيان اللازم منه حكم الشارع بالبراءة، وكحكمه بتقديم الأهم في مورد التزاحم بين الحكمين المستنتج منه فعلية حكم الأهم عند الله، وكحكمه بوجوب مطابقة حكم الله لما حكم به العقلاء في الآراء المحمودة.
فإن هذه الملازمات وأمثالها أمور حقيقية واقعية يدركها العقل النظري بالبداهة أو بالكسب، لكونها من الأوليات والفطريات التي قياساتها معها، أو لكونها تنتهي إليها فيعلم بها العقل على سبيل الجزم.
وإذا قطع العقل بالملازمة - والمفروض أنه قاطع بثبوت الملزوم - فإنه لابد أن يقطع بثبوت اللازم، وهو - أي اللازم - حكم الشارع. ومع حصول القطع فإن القطع حجة يستحيل النهي عنه، بل به حجية كل حجة، كما سبق بيانه ص 22.
وعليه، فهذه الملازمات العقلية هي كبريات القضايا العقلية التي بضمها إلى صغرياتها يتوصل بها إلى الحكم الشرعي. ولا أظن أحدا بعد التوجه إليها والالتفات إلى حقيقتها يستطيع إنكارها، إلا السوفسطائيين الذين ينكرون الوثوق بكل معرفة حتى المحسوسات.
ولا أظن أن هذه القضايا العقلية هي مقصود من أنكر حجيتها من الأخباريين وغيرهم وإن أوهمت بعض عباراتهم ذلك، لعدم التمييز بين نقاط البحث.
وإذا عرفت ذلك، تعرف أن الخلط في المقصود من إدراك العقل النظري وعدم التمييز بين ما يدركه من الأحكام ابتداء وما يدركه منها بتوسط الملازمة هو سبب المحنة في هذا الاختلاف وسبب المغالطة التي وقع فيها بعضهم (1) إذ نفى مطلقا إدراك العقل لحكم الشارع وحجيته،