وعلى كل حال، فإن إدخال المفاهيم والاستصحاب ونحوها في مصاديق الدليل العقلي لا يناسب جعله دليلا في مقابل الكتاب والسنة، ولا يناسب تعريفه بأنه " ما ينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي ".
وبسبب عدم وضوح المقصود من الدليل العقلي انتحى الأخباريون باللائمة على الأصوليين إذ يأخذون بالعقل حجة على الحكم الشرعي.
ولكنهم (1) أنفسهم أيضا لم يتضح مقصودهم في التزهيد بالعقل، وهل تراهم يحكمون غير عقولهم في التزهيد بالعقول؟
ويتجلى لنا عدم وضوح المقصود من الدليل العقلي ما (2) ذكره الشيخ المحدث البحراني في حدائقه، وهذا نص عبارته:
المقام الثالث في دليل العقل، وفسره بعض بالبراءة والاستصحاب، وآخرون قصروه على الثاني، وثالث فسره بلحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب، ورابع بعد البراءة الأصلية والاستصحاب بالتلازم بين الحكمين المندرج فيه مقدمة الواجب واستلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص، والدلالة الالتزامية (3) ثم تكلم عن كل منها في مطالب عدا التلازم بين الحكمين لم يتحدث عنه. ولم يذكر من الأقوال حكم العقل في مسألة الحسن والقبح، بينما أن حكم العقل المقصود الذي ينبغي أن يجعل دليلا هو خصوص التلازم بين الحكمين وحكم العقل في الحسن والقبح. وما نقله من الأقوال لم يكن دقيقا كما سبق بيان بعضها.