تمهيد:
إن مقصودنا من هذا البحث - وهو مباحث الحجة - تنقيح ما يصلح أن يكون دليلا وحجة على الأحكام الشرعية، لنتوصل إلى الواقع من أحكام الله تعالى.
فإن أصبنا بالدليل ذلك الواقع كما أردنا، فذلك هو الغاية القصوى (1) وإن أخطأناه، فنحن نكون معذورين غير معاقبين في مخالفة الواقع.
والسر في كوننا معذورين عند الخطأ: هو لأجل أننا قد بذلنا جهدنا وقصارى وسعنا في البحث عن الطرق الموصلة إلى الواقع من أحكام الله تعالى، حتى ثبت لدينا - على سبيل القطع - أن هذا الدليل الكذائي (2) - كخبر الواحد مثلا - قد ارتضاه الشارع لنا طريقا إلى أحكامه وجعله حجة عليها. فالخطأ الذي نقع فيه إنما جاء من الدليل الذي نصبه وارتضاه لنا، لا من قبلنا.
وسيأتي بيان كيف نكون معذورين، وكيف يصح وقوع الخطأ في الدليل المنصوب حجة مع أن الشارع هو الذي نصبه وجعله حجة.