أقول: إن كان منشأ الظن بالخلاف أمر يصح في نظر العقلاء الاعتماد عليه في التفهيم، فإنه لا ينبغي الشك في أن مثل هذا الظن يضر في حجية الظهور بل - على التحقيق - لا يبقى معه ظهور للكلام حتى يكون موضعا لبناء العقلاء، لأن الظهور يكون حينئذ على طبق ذلك الأمر المعتمد عليه في التفهيم، حتى لو فرض أن ذلك الأمر ليس بأمارة معتبرة عند الشارع، لأن الملاك في ذلك بناء العقلاء.
وأما إذا كان منشأ الظن ليس مما يصح الاعتماد عليه في التفهيم عند العقلاء فلا قيمة لهذا الظن من ناحية بناء العقلاء على اتباع الظاهر، لأن الظهور قائم في خلافه، ولا ينبغي الشك في عدم تأثير مثله في تبانيهم على حجية الظهور. والظاهر أن مراد الشيخ صاحب الكفاية من الظن بالخلاف هذا القسم الثاني فقط، لا ما يعم القسم الأول.
ولعل مراد القائل باعتبار عدم الظن بالخلاف هو القسم الأول فقط، لا ما يعم القسم الثاني. فيقع التصالح بين الطرفين.
3 - أصالة عدم القرينة:
ذهب الشيخ الأعظم في رسائله إلى أن الأصول الوجودية - مثل أصالة الحقيقة، وأصالة العموم، وأصالة الإطلاق، ونحوها التي هي كلها أنواع لأصالة الظهور - ترجع كلها إلى أصالة عدم القرينة بمعنى: أن أصالة الحقيقة ترجع إلى أصالة عدم قرينة المجاز، وأصالة العموم إلى أصالة عدم المخصص... وهكذا (1).
والظاهر أن غرضه من الرجوع: أن حجية أصالة الظهور إنما هي من جهة بناء العقلاء على حجية أصالة عدم القرينة.