ثم إذا كان يجب الجمود على ما ورد من أخبار بيت العصمة، فإن معنى ذلك هو الأخذ بظواهر أقوالهم لا بظواهر الكتاب. وحينئذ ننقل الكلام إلى نفس أخبارهم حتى فيما يتعلق منها بتفسير الكتاب، فنقول:
هل يكفي لكل أحد أن يرجع إلى ظواهرها من دون تدبر وبصيرة ومعرفة، ومن دون فحص عن القرائن واطلاع على كل ماله دخل في مضامينها؟
بل هذه الأخبار لا تقل من هذه الجهة عن ظواهر الكتاب، بل الأمر فيها أعظم لأن سندها يحتاج إلى تصحيح وتنقيح وفحص، ولأن جملة منها منقول بالمعنى، وما ينقل بالمعنى لا يحرز فيه نص ألفاظ المعصوم وتعبيره ولا مراداته، ولا يحرز في أكثرها أن النقل كان لنص الألفاظ.
وأما ما ورد من النهي عن التفسير بالرأي:
مثل النبوي المشهور: " من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " (1) فالجواب عنه أن التفسير غير الأخذ بالظاهر، والأخذ بالظاهر لا يسمى تفسيرا. على أن مقتضى الجمع بينها وبين تلك الأخبار المجوزة للأخذ بالكتاب والرجوع إليه حمل " التفسير بالرأي " - إذا سلمنا أنه يشمل الأخذ بالظاهر - على معنى التسرع بالأخذ به بالاجتهادات الشخصية من دون فحص ومن دون سابق معرفة وتأمل ودربة (2) كما يعطيه التعليل في بعضها بأن فيه ناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا.
مع أنه في الكتاب العزيز من المقاصد العالية ما لا ينالها إلا أهل الذكر، وفيه ما يقصر عن الوصول إلى إدراكه أكثر الناس. ولا يزال تنكشف له من الأسرار ما كان خافيا على المفسرين كلما تقدمت العلوم والمعارف مما يوجب الدهشة ويحقق إعجازه من هذه الناحية.