الانسداد على تقدير إفادته اعتبار الظن بنفس الحكم كلية، بحيث لا يرجح بعض الظنون على بعض، أو مهملة بحيث يجب الترجيح بين الظنون، ثم التعميم بعد فقد المرجح والاستدلال المذكور مبني على إنكار ذلك كله، وأن دليل الانسداد جار في مسألة تعيين الطريق وهي المسألة الأصولية، لا في نفس الأحكام الواقعية الفرعية بناء منه (1) على «أن الأحكام الواقعية بعد نصب الطريق ليست مكلفا بها تكليفا فعليا إلا بشرط قيام الطرق عليها، فالمكلف به في الحقيقة مؤديات تلك الطرق لا الأحكام الواقعية من حيث هي» (2).
وقد عرفت مما ذكرنا أن نصب هذه الطرق ليست إلا لأجل كشفها الغالبي عن الواقع، ومطابقتها له، فإذا دار الأمر بين إعمال ظن في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للأول.
ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف، بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع، لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها، واعتبار مساعدتها في إرادة الواقع، بل مؤدى وجوب العمل بها جعلها عين الواقع ولو بحكم الشارع، لا قيدا له.
والحاصل: أنه فرق بين أن يكون مرجع نصب هذه الطرق إلى قول الشارع: «لا أريد من الواقع إلا ما ساعد عليه ذلك الطريق» فينحصر التكليف الفعلي حينئذ في مؤديات الطريق، ولازمه إهمال ما لم يؤد إليه الطريق من الواقع، سواء انفتح باب العلم بالطريق أم انسد، وبين أن يكون التكليف الفعلي بالواقع باقيا على حاله إلا أن الشارع حكم بوجوب البناء على كون مؤدى الطريق هو ذلك الواقع فمؤدى هذه الطرق واقع جعلي، فإذا انسد طريق العلم إليه، ودار الأمر بين الظن بالواقع الحقيقي وبين الظن بما جعله الشارع واقعا فلا ترجيح،