ولا أرى هذا الاحتمال إلا وقد صدر منه - طاب ثراه - على سبيل سلطان الجدل، وإلزام المناظر ولو بما يقطع بخلافه.
وكيف يحتمل مثله أن الشارع الذي عرف منه ذلك الاهتمام - الذي يجل عن الوصف - في حفظ أموال المسلمين، وصيانة أعراضهم، وحقن دمائهم يرفع ذلك الاهتمام بمجرد إقامة الدعوى من كاذب، فلا يبالي بضياع الأموال، ولا بهتك الأعراض، وإراقة الدماء إذا شهد على أحدها بشهادة الزور، أو صدر الحلف من حليف خمر وماخور (1)، ويكون عنده سواء في الأموال المالك والغاصب، وفي الفروج الزوج والعاهر، وفي الدماء دم المسلم والحربي لا يكون هذا أبدا.
ويبقى بعد ذلك موضع للسؤال عن معنى الإعراض عن الواقع على وجه لا يستلزم التصويب المحال، ويكون غير الذي يتصور في سائر الأحكام (2).
هذا، وأما ما ذكره من «أن الظنون المعمولة في تعيين طرق القضاء حاصلة من أمارات منضبطة غالب المطابقة» فالقضاء فيه موكول إلى الناظر بعد أن يتصفح بابا من أبوابه.
وأما ما ذكره في وجه عدم عمل المقلد بظنه في نفس الحكم الواقعي، فهو صحيح، ولكن لا على إطلاقه، إذ قد يكون اقتدار المقلد على تحصيل الظن بالواقع من نفس الطرق التي يحصله [بها] (3) المجتهد أقوى من المجتهد، كالأحكام التي مبانيها مسائل لغوية أو نحوية، فلا شك أن المقلد اللغوي أو النحوي أشد اقتدارا، وأصوب ظنا ممن يزيد عليه في الفقه، ويقصر عنه في صناعته.