ومناظرة الأصمعي مع أبي يوسف القاضي في معنى (لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا) (1) وشهادته عليه بأن القاضي لم يفرق بين (عقلته) و (عقلت عنه) حتى فهمه، مذكورة كأمثالها الكثيرة في مواضعها.
هذا، وعمدة طريق المقلد غالبا في تحصيل الظن في تعيين المجتهد أحد أمرين: إما شهادة أهل الخبرة، وإما الشهرة، ولكن من له بخبير لا يميل في شهادته مع الهوى، وبشهرة لم يجلبها حطام الدنيا، وفي النظر في حال أبناء الزمان ما يغنيك عن البيان.
وأما قوله طاب ثراه: «فلا فرق في إعمال هذه الأمارات في تعيين الطرق وبين إعمالها في نفس الحكم الواقعي، بل إعمالها في نفس الواقع أولى» فستعرف ما فيه بما نبينه قريبا من مراد صاحب الفصول، ونوضحه من حقيقة هذا الدليل.
عاد كلامه: «فإن قلت: العمل بالظن في الطريق عمل بالظن في الامتثال الظاهري والواقعي، لأن الفرض إفادة الطريق للظن بالواقع، بخلاف غير ما ظن طريقيته، فإنه ظن بالواقع، وليس ظنا بتحقق الامتثال في الظاهر، بل الامتثال الظاهري مشكوك أو موهوم بحسب احتمال اعتبار ذلك الظن.
قلت: أولا إن هذا خروج عن الفرض، لأن مبنى الاستدلال المتقدم على وجوب العمل بالظن في الطريق وإن لم يكن الطريق مفيدا للظن به أصلا، نعم قد اتفق في الخارج أن الأمور التي يعلم بوجود الطريق فيها إجمالا مفيدة للظن شخصا أو نوعا لا أن مناط الاستدلال اتباع الظن بالطريق المفيد للظن بالواقع.
وثانيا: أن هذا يرجع إلى ترجيح بعض الأمارات الظنية على بعض باعتبار الظن باعتبار بعضها شرعا دون الآخر، بعد الاعتراف بأن مؤدى دليل الانسداد حجية الظن بالواقع لا بالطريق. وسيجئ الكلام في أن نتيجة دليل