الحقائق من المجازات، إذ من الواضح لدى أهل الفن أن هم الأئمة المصنفين في علم اللغة بيان الظاهر من كل كلمة في التراكيب المختلفة، وضبط المعاني الظاهرة منها باختلاف النسب والحروف وغيرهما، فتراهم يذكرون شام البرق، وشام السيف، ورف الطائر، ورف الظليم، ورف لونه، ورف زيدا، أو رف هندا، ويفسرون ذلك بقولهم: أبصره، وأغمده، وبسط جناحه، وأسرع في عدوه، وبرق وجهه، وأكرمه، وقبلها، ومثل ذلك الفرق بين عقلته وعقلت عنه، وشكرته وشكرت له، وبين المسهب في الكلام بفتح الهاء وكسرها، فلكل كلمة وقعت في كلام ظهور غير ظهوره في غيره، ومعرفة ذلك هي التي يحتاجها أهل العلم.
ومن العبث تطلب المعنى الأولي الذي وضع له اللفظ، ومن فضول البحث الاهتمام في معرفة ما بين هذه الألفاظ من نسبة المجاز أو الاشتراك.
فقول صاحب الكفاية: «بداهة أن همه ضبط موارده لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيها حقيقة أو مجازا» (1) إن أراد من موارد الاستعمال غير ما ذكرناه، فظاهر لدى الخبير بالفن ما فيه، وإن أراد هذا الذي ذكرناه فهو حق، وبه يحصل المقصود من معرفة الظهور، وقد ظفر ببغيته من يتعاطى الفقه، وترك تعيين الحقيقة من المجاز لمن يتكلف ما لا يعنيه، ويطلب ما لا يجد، إذ لا ثمرة مهمة علمية فيه، لأنه إذا صح الظهور فقد ظهرت الحجة، واتضحت إلى المعاني المحجة، فليكن إن شاء حقيقة، وإن شاء مجازا.
وهنا أمر مهم لا بد من التنبيه له، وهو أن الظهور الذي عرفت حجيته هو الذي يفهمه أهل تلك اللغة من اللفظ، أو من زاولها، وقتلها خبرا، حتى عاد كأحدهم، بل كاد أن يعد منهم، فلا بد لمن يروم استنباط الأحكام من الكتاب والسنة من ممارسة هذه اللغة الشريفة، ومعرفة عوائد أهلها، ودرس أخلاقها