ولا أدري من المراد من غير اللغوي في قوله: «بل يكون اللغوي وغيره سواء»؟ فليتأمل فيه.
ومن لم يحظ بالسماع منهم كالمتأخرين، فإن تتبع موارد الاستعمال يقوم لهم مقام السماع، وذلك ظاهر.
ونظيره موجود في سائر الصنائع، فإن الطبيب إذا عثر بخاصية في بعض النباتات، فربما احتمل أول مرة الاستعمال وثانية المقارنة الاتفاقية، وكونها مستندة إلى غيره من الأسباب المجهولة، ولكن بتكرر الاستعمال يزول ذلك الاحتمال، وبهذا عرفت خواص الأدوية، وعلمت منافعها ومضارها، وما ميز الترياق النافع من السم الناقع إلا التجارب.
وما ذكرناه من حال عالم اللغة كالتجربة، بل هو ضرب منها، وعلى التجربة يدور رحى كثير من الحرف والعلوم.
وأما علامة الفرق بين المعاني الحقيقية وبين المجازية، فإن عالم الفن في غنى عنه بما له من التدرب في الصناعة والخبرة بمجاري الكلام، فكثيرا ما ينظر إلى كلمة في كتب أئمة كتهذيب الأزهري وغيره، ويظهر له أصلها وتحولها عن معنى إلى معنى آخر وتطوراتها الطارئة عليها مدى الأجيال، وربما أبعد المرمي وتتبع أصلها في أخوات العربية من السريانية والعبرانية، ولا يعبأ بالعلامة الضعيفة التي ذكرها في الكفاية (1) ونقضها بالمشترك، وهو من عجيب النقض.
وأما غيره فيكفيه التصريح في مثل أساس البلاغة، فإن دأبه أن يقول بعد الفراغ عن ذكر المعاني الحقيقية: أن من المجاز كذا، أو التلويح بعبارات يعرف منها ذلك، راجع مفردات القرآن وغيره.
ثم على تسليم الأمرين معا، فإن معرفة الظواهر لا تتوقف على معرفة