التحقيق في مثل ذلك أن التكليف بالفعل يرتفع عند ارتفاع تمكن المكلف منهما، ويبقى حكم المعصية من استحقاق الذم والعقاب جاريا عليه.
وكذا الكلام في الأمر فإن التكليف بالمأمور به يرتفع عند الإتيان بالسبب الموجب له، ويبقى حكم الامتثال والطاعة من استحقاق المدح والثواب جاريا عليه حال حصوله - إلى أن قال - احتج من قال بأنه مأمور بالخروج ولا معصية عليه بما ذكرناه من استحالة التكليف بالمحال.
وجوابه: أن ذلك إنما يقتضي عدم المعصية بنهي مقارن لا عدمها بنهي سابق كما بينا، فإن المكلف منهي قبل الدخول عن جميع أنحاء التصرف في ملك الغير بغير إذنه نهيا مطلقا، غاية الأمر أن النهي يرتفع عنه على بعض الوجوه بالنسبة إلى المدة التي لا يتمكن من الترك فيها، وذلك لا يوجب عدم كونه عاصيا.
لا يقال: لو صح ذلك لزم أن يكون الخروج طاعة وعصيانا، وهو محال، لأن الطاعة والعصيان أمران متنافيان بالضرورة، فيمتنع استنادهما إلى شيء واحد أو تواردهما على محل واحد.
لأنا نقول: إن أريد أن الطاعة والعصيان متنافيان من حيث نفسهما، فممنوع، لأن معناهما موافقة الطلب ومخالفته، ولا منافاة بينهما مع تعدد الطلب.
وإن أريد أنهما متنافيان من حيث ما أضيف إليه من الأمر والنهي، فممنوع أيضا، لأنهما إنما يتنافيان إذا اجتمعا في الزمان كما هو شأن التضاد، وقد بينا أن زمن الأمر غير زمن النهي.
وتوضيح المقام: أن ترك الغصب مراد من المكلف بجميع أنحائه التي يتمكن من تركه إرادة فعلية مشروطا بقاؤها ببقاء تمكنه منه، وحيث إنه قبل الدخول يتمكن من ترك الغصب بجميع أنحائه دخولا وخروجا، فترك الجميع مراد منه قبل دخوله، فإذا دخل فيه ارتفع تمكنه من تركه بجميع أنحائه مقدار ما