بل يرى أن تلك المفسدة التي أوجبت النهي أولا - وهي ترك حفظ النفس - انقلبت إلى المصلحة التي توجب الأمر، فحقيقة الطلب واحدة ظهرت بصورة النهي أولا، وبصورة الأمر ثانيا.
ثم إذا صح عندك عنوان الأمر فانظر إلى عقاب النهي، فلو كان مقدرا وموزعا على ساعات المكث في الماء، فهل ترى فرقا بين الدقائق التي بعد عن الشاطئ، والدقائق التي قرب فيها إليه؟ وهل كنت تنقص هذه من تلك مع اشتراكهما في المخالفة العمدية؟ فإذا صح حكم وجدانك في المقامين، وضممت إليه حكم العقل الصريح بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي في زمان واحد، علمت أن ما قرره العم - طاب ثراه - أصح من بيض النعام وإن قال المقرر: «إنه كلام مختل النظام» (1) قال بعد نقل عبارة الفصول ببعض اختصار:
«أقول: أما ما ذكره في الاحتجاج على كون الخروج مأمورا به. مطابقا لما ذكرناه في الاحتجاج على المختار فهو كلام صحيح لا غبار عليه بجميع جزئياته، سيما منعه عن التكليف بالمحال مطلقا من دون تفصيل بين أن يكون المكلف هو السبب في الامتناع أو غيره كما تقتضيه قواعد العدلية» (2).
قلت: لكن بيان الفصول أقوى وأمتن، وحجته أوضح وأبين، إذ الفاضل المقرر لم يرد في الاحتجاج على قوله، أن التخلص عن الغصب واجب عقلا وشرعا، ولا شك أن الخروج تخلص عنه، بل لا سبيل إليه إلا بالخروج فيكون واجبا على وجه العينية وصاحب الفصول أفاد ما سمعت، وأين مجرى السيل من مطلع سهيل؟ قال: «وأما ما ذكره من جريان حكم النهي السابق على الخروج فيكون