وإن كان ثمة خلط فهو لمنكري مقالته، حيث خلطوا بين الغرض الأولي والثانوي، أو بين الغرض من الشيء في حد ذاته، وبين الغرض منه في حال اجتماعه مع غيره بالبيان الذي عرفته.
على أن لقائل أن يقول: إن الحاكم بوجوب المقدمة هو العقل، وليس في أحكامه تعليل إلا وهو راجع إلى التقييد، فإذا اعترف المخالف بأن المناط في حكم العقل الإيصال الفعلي لا الشأني فلا بد له من الاعتراف بالتقييد به، فليتأمل.
ولعل لذلك قال في الفصول: «إن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور» (1).
وأورد عليه الأستاذ البارع (2) في البدائع، بقوله: «المسألة عقلية، والمسألة العقلية منوطة بمناط منقح عند العقل فلا بد من النظر في مناط حكم العقل، وأنه ما ذا يقتضي؟ فما ذكره من عدم حكم العقل بوجوب غير الموصلة من غير أن يبين مناط حكم العقل خروج عن دأب المحصلين، إذ المشاجرة في المقام تنتهي إلى أن مناط حكم العقل هل هو موجود في مطلق المقدمة، أو مختص بالموصلة؟» (3) إلى آخره.
وأقول عذرا: أيها الأستاذ فصاحب الفصول لم يخرج عن مرسومك الشريف الذي جعلت خلافه خروجا عن دأب المحصلين، بل بين مناط حكم العقل فقال: «حيث إن المطلوب من المقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله، فلا جرم يكون التوصل إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها فلا تكون