متعددة وامتثال أوامر عديدة سببا لأشدية العقاب على معصية واحدة بدلا عن أن يكون سببا لتخفيفه، أو ليس الوجدان أعدل شاهد على أن تلك المقدمات باقية على حالها من عدم المصلحة وتمام المفسدة والمبغوضية إذا لم يترتب عليه المقصود؟ وأنت - أعزك الله - إذا تأملت في هذه الأمثلة وضممت إليها ما لا يحصى من أمثالها عرفت أن لا مناص عنها إلا بمصادمة الوجدان، ومكابرة العيان، والخروج عن مذاهب الحكمة الحقة إلى السفسطة المموهة، وأي عاقل يحكم على المستطيع الذي يخرج إلى حانوت خمار واقع في طريق القافلة ليشرب الخمر ويرتكب ضروبا من الكبائر بأنه يفعل الواجب في قطع الطريق، أو أن أهل الشام وأهل الكوفة لما خرجوا إلى صفين (1) (2)، وإلى الطف (3) لقتال الإمامين (4) كان سفرهم سفر طاعة (5) يجب عليهم القصر في الصلاة لا الإتمام لأن (6) الجهاد مع الإمام والدفاع عنه واجب، ومقدمته واجبة مطلقا؟ (7).
هذا وعهدي بمجلس حافل اجتمعت فيه بخدمة الشيخ الأستاذ صاحب الكفاية - طاب ثراه - وأنا إذ ذاك غلام قد بقل خدي أو كاد، فجرى حديث هذه المسألة وكان من أشد المنكرين للمقدمة الموصلة، وبعد بحث طويل أوردت عليه أمثال هذه الأمثلة فلم يكن جوابه إلا قوله: إن معك الوجدان، ومعي (1) إشارة إلى الحرب التي وقعت بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ومعاوية بن أبي سفيان لعنة الله عليه، وكانت بداية هذه الواقعة في سنة ست وثلاثين من الهجرة المقدسة، ولشهرة هذه الواقعة المبكية لا نزيد على ما ذكرناه. (مجد الدين)