الغيري من قصد العنوان إذ لا يعقل بعث الأمر على عنوان آخر غير ما تعلق به، فلا بد - إذن - من قصد عنوان المقدمة على وجه يكون الداعي إلى إيجادها ملاحظة المنفعة التي فيها، وهذا لا يعقل بدون قصد الغير، إذ لا يعقل القصد إلى شيء تترتب عليه فائدة لأجل تلك الفائدة بدون أن تكون تلك الفائدة مقصودة، لكونه تناقضا.
ولعل ذلك مراد كل من حكم بوجوب قصد الاستباحة في الوضوء، إلى آخر ما نقله عنه هذا المقرر، وما ذكرناه أخيرا نموذج منه.
وأنت إذا تأملت في مجموعه، وحملت مجمله على مبينه، عرفت أنا قد أصبنا المحز، ولم نخط المرمي في فهم مرامه، واتضح لديك أنه - قدس سره - لا يرى توقف المقدمات العبادية على قصد الغير، ليكون تخصيصا لقسم من المقدمة بهذا الحكم، وتقييدا لحكم العقل بالملازمة بين طلب الشيء وبين طلب مقدماته، بل يرى أنها لا تكون مقدمة إلا بوصف العبادية، ولا تكون عبادة إلا بقصد الغير، وما أبعد ما بين دخل القصد في تحقق معنى المقدمية، وما بين وقوعها على صفة الوجوب بعد تحقق مفهومها وكونها مقدمة بالحمل الشائع.
ولا أدري كيف خفي ذلك على مثل الأستاذ صاحب الكفاية قدس سره فنسب أولا إلى الشيخ اعتبار داعي التوصل في مطلق المقدمات، ثم أخذ في بيان أمر واضح ما كاد يخفى على أقل تلامذته من: «أن الوجوب لم يكن بحكم العقل إلا لأجل المقدمية والتوقف، وعدم دخل قصد التوصل فيه واضح» (1).
ثم رد بضاعته إليه في صورة الاعتراض عليه قائلا: «ولذا اعترف بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك في غير المقدمات العبادية» (2).