يتمسك الخصم بالتبادر الإطلاقي، نظرا إلى كثرة استعماله في الحال، وهو ممنوع.
هذا، على أن لازم مذهبه أن يصح قول القائل: زيد ضارب فعلا في المستقبل، وهذا لوضوحه لا ينبغي أن يكون محطا لأنظار العلماء، نعم اختلاف قيام المبادئ بالهيئات تختلف من حيث كونها فعلا، أو قوة، أو ملكة، أو صنعة، فلو أخذت من حيث القوة والملكة لزم وجودهما فعلا، ففي قولك: هذا النبت سم، أو هذا السيف قاطع. ليس المراد من المادة إلا القوة والملكة، ويلزم بقاؤهما فعلا، وكذلك قولك: زيد شاعر. أي صنعته الشعر، فيلزم كونه صناعته فعلا.
ومن هنا يظهر أن الحكم المترتب على الشجرة المثمرة ونحوه لا ينبغي أن يعد من ثمرات هذه المسألة، لأن مبنى الشك ومنشئه هو أن الموضوع للحكم هل هو قوة للأثمار في مقابل الشجرة اليابسة أو وجود الثمرة فعلا؟ وأيهما كان فاللازم وجوده فعلا، وتعيين أحدهما ليس من وظيفة مسألة المشتق، بل هو شأن الأدلة الدالة على أصل الحكم.
وليعلم أن المشتق كثيرا ما يلاحظ عنوانا للذات، ومعرفا لها كالقاتل والسارق والمحدود ونحو ذلك، حتى أنه قد يقوم مقام النعت والصفة إذا كان من الأفعال العظيمة كقالع الباب، وفاتح البلد، وحينئذ يكفي في صدق اللفظ اتصافها به ولو في غير زمان التلبس.
ومن الخلط بين هذين القسمين نشأ كثير من الأقوال التي تجدها مفصلة في الفصول وغيره، حيث إن صاحب كل قول نظر إلى عدة استعمالات اعتبر فيها المشتق عنوانا للذات، فقاده ذلك إلى القول بعدم اشتراط التلبس في الحال فيما هو من قبيلها، فلا بد في تعيين ذلك إلى ملاحظة المتعارف في المحاورات، وخصوصيات المقامات، ومناسبات الأحكام مع الموضوعات، فربما حصل القطع بأحد الوجهين، كما لو قال: أو لم على باني المساجد ومعمري المشاهد. وربما بقي الأمر على الشك كما في الماء المسخن بالشمس، الذي حكموا بكراهة التوضؤ به.