ثالثا مركبا منهما.
وقس عليهما الضارب، والمضروب، وسائر المشتقات، وإذا فعلت ذلك وأنصفت عرفت أن مفاد المشتق ليس إلا الذات، محدودة بتلك الحدود، ومعنونا بتلك العناوين، ولا فرق بين هذه المفاهيم وبين مفهوم الحجر، وسائر مفاهيم الذوات، إلا أنك تفهم من لفظ الحجر العنوان المنتزع من الذات بما هو ذات، ومن المشتقات بما هو متصف بصفة معينة، ومحدود بحدود معلومة، ومجرد ذلك لا يوجب بساطة مفهوم الأول وتركب الثاني، إذ لا فرق بينهما في ناحية المعنى أصلا، وإنما هو في اللفظ فقط.
وإذا عرفت ذلك ظهر لك الفرق بين المشتق ومبدئه، إذ هذا المعنى الأولي البسيط هو معنى المشتق، وللعقل بعد ذلك أن يجرد المبدأ عن الذات ويفككه، كما تجرد الصور عن موادها، والأجناس عن فصولها، وينسبه إلى الذات، وهذا الملحوظ بالنظر التحليلي الثانوي هو معنى المبدأ.
وقد اتضح من ذلك مراد بعض أهل المعقول، حيث قال: إن الفرق بين المشتق ومبدئه كالفرق بين العرضي والعرض، وجعلهما متحدا في الذات، وجعل الفرق بينهما بالاعتبار، فإن أخذ لا بشرط كان عرضيا، فيصح حمله على الذات، كما أن الجزء الصوري أو المادي إن أخذا لا بشرط كانا جنسا أو فصلا، وصح حملهما على الذات، وإن أخذا بشرط لا كانا المعبر عنهما بالصورة والهيولى، فإن مراده من لا بشرط، ملاحظة المعنى من دون ضم شيء آخر معه وجودا ولا عدما، ومعلوم أن المبدأ بهذا الوجه لا يكون إلا مندكا في الذات، متحدا في اللحاظ لا يمتاز عنه، لما عرفت أن ملاحظة المبدأ في ذاته بذاته يحتاج إلى عناية زائدة من ملاحظة تجرده وتفكيكه، إذ لا وجود له في الخارج مستقلا، بل هو موجود مندكا في الغير، مندمجا فيه، وغير ملحوظ إلا بصفة أنه حد لموجود، وما أشبهه من هذه الجهة بجملة من الأعراض، فإن من نظر إلى مربع لا يرى إلا جسما بصفة